عليا. وسار عن الكوفة إلى لقاء معاوية (1).
بيد إن الأمور لم تستقم للإمام الحسن لجملة من الأسباب المعروفة، أهمها تخاذل أهل العراق أولا، وكون الشيوخ الذين بايعوا عليا والتفوا حوله كانوا من عبدة الغنائم والمناصب، ولم يكن لهؤلاء نصيب في خلافة الحسن إلا ما كان لهم عند أبيه من قبل ثانيا. وإن عددا غير قليل ممن بايع الحسن كانوا من المنافقين، يراسلون معاوية بالسمع والطاعة ثالثا. كما أن قسما من جيشه كانوا من الخوارج أو أبنائهم رابعا. إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت الإمام إلى قبول الصلح مع معاوية تحت شروط خاصة تضمن لشيعة علي الأمن والأمان، إلا أن معاوية وبعد أن وقع على صلحه مع الإمام الحسن لم يتردد من الإعلان عن سريرته بكل صراحة ووضوح على منبر الكوفة: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا - وإنكم لتفعلون ذلك - ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإني قد كنت منيت الحسن أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له (2).
وكان ذلك التصريح الخطير، والمنافي لأبسط مبادئ الشريعة الإسلامية، يمثل الإعلان الرسمي لبدء الحملة الشرسة والمعلنة لاستئصال شيعة علي وأنصاره تحت كل حجر ومدر. وتوالت المجازر تترى بعد معاوية إلى آخر عهد الدولة الأموية، فلم يكن للشيعة في تلك الأيام نصيب سوى القتل والنفي والحرمان. وهذا هو الذي نستعرضه في هذا الفصل على وجه الإجمال، حتى يقف القارئ على أن بقاء التشيع في هذه العصور المظلمة كان معجزة من معاجز الله سبحانه، كما يتوضح له مدى الدور الخطير الذي لعبه الشيعة في الصمود والكفاح والرد على الظلمة