أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٧٧
العسرة، والتي امتدت ألسنتها نحو الشيخ الطوسي نفسه، فأحرقت داره، ومكتبته في كرخ بغداد، فالتجأ سرا إلى النجف الأشرف، تاركا بلده الذي عاش فيه قرابة نصف قرن، وأين هؤلاء من الفقهاء الذين تنعموا بالهدوء والاستقرار، واستقبلتهم السلطات الحاكمة بصدر رحب، وأجيزوا مقابل أبيات معدودة من الشعر الرخيص، أو كتيب أو رسالة صغيرة بالهبات والعطايا.
10 - قدماء الشيعة وعلم أصول الفقه إن السنة النبوية بعد القرآن الكريم هي المصدر للتشريع، وقد سبق أن الخلافة - بعد رحلة الرسول (صلى الله عليه وآله) - حالت دون تحديث ما تركه بين الأمة، وكتابته وتدوينه. فلم تدون السنة إلى عصر أبي جعفر المنصور، إلا صحائف غير منظمة ولا مرتبة، إلى أن شرع علماء الإسلام في التدوين سنة (53 ه‍) (1).
إن الحيلولة بين السنة وتدوينها ونشرها أدت إلى نتائج سلبية عظيمة، منها قصور ما وصل إلى الفقهاء في ذلك العصر صحيحا من الرسول (صلى الله عليه وآله) عن تلبية متطلباتهم في مجال الأحكام، حتى اشتهر عن إمام الحنفية أنه لم يثبت عنده من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) في مجال التشريع إلا سبعة عشر حديثا.
ونحن وإن كنا لا نتوافق مع ما حكي عن النعمان، ولكن نؤكد على شئ آخر، وهو أن ما ورد في مجموع الصحاح والمسانيد والسنن الأعم من الصحيح والضعيف في مجال الأحكام الشرعية لا يتجاوز 500 حديث.
قال السيد محمد رشيد رضا: إن أحاديث الأحكام الأصول لا تتجاوز 500 حديث تمدها (2) أربعة آلاف موقوفات ومراسيل.

(1) جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء: 261.
(2) الوحي المحمدي: 212، ط 6. نعم أنهاه ابن حجر في كتابه " بلوغ المرام " إلى (1596) حديثا لكن كثيرا منها لا يتضمن حكما شرعيا، وإنما هي أحاديث أخلاقية وغيرها، فلاحظ.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»