أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩٩
الإمام الرضا (عليه السلام) وصلاة العيد كان الإمام في مرو يقصده البعيد والقريب من مختلف الطبقات وقد انتشر صيته في بقاع الأرض، وعظم تعلق المسلمين به، مما أثار مخاوف المأمون وتوجسه من أن ينفلت زمام الأمر من يديه على عكس ما كان يتمناه، وما كان يبتغيه من ولاية العهد هذه، وقوي ذلك الظن أن المأمون بعث إليه يوم العيد في أن يصلي بالناس ويخطب فيهم فأجابه الرضا (عليه السلام): " إنك قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر، فاعفني من الصلاة بالناس ". فقال له المأمون: إنما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك.
ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك، فلما ألح عليه المأمون، أرسل إليه الرضا: " إن أعفيتني فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله وأمير المؤمنين (عليه السلام) " فقال له المأمون: اخرج كيف شئت. وأمر القواد والحجاب والناس أن يبكروا إلى باب الرضا (عليه السلام).
قال: فقعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات والسطوح، واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، فاغتسل أبو الحسن ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفه، ومس شيئا من الطيب، وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه: " افعلوا مثل ما فعلت " فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فمشي قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر وكبر مواليه معه، فلما رآه الجند والقواد سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض، ثم كبر وكبر الناس، فخيل إلى الناس أن السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا الإمام الرضا (عليه السلام) وسمعوا
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»