لا نسلم أن أبا طالب عليه السلام أبى عن الإيمان في ساعته الأخيرة لقوله: على ملة عبد المطلب. ونحن لا نرتاب في أن عبد المطلب سلام الله عليه كان على المبدأ الحق، وعلى دين الله الذي ارتضاه للناس رب العالمين يومئذ، وكان معترفا بالمبدأ والمعاد، عارفا بأمر الرسالة، اللائح على أساريره نورها، الساكن في صلبه صاحبها، وللشهرستاني حول سيدنا عبد المطلب كلمة ذكرنا جملة منها في الجزء السابع (ص 346 و 353) فراجع الملل والنحل (1) والكتب التي ألفها السيوطي (2) في آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تعرف جلية الحال، فقول أبي طالب عليه السلام: على ملة عبد المطلب. صريح في أنه معتنق تلكم المبادي كلها، أضف إلى ذلك نصوصه المتواصلة طيلة حياته على صحة الدعوة المحمدية.
8 نظرة في الثانية من الآيتين، ولعلك عرفت بطلان دلالتها على ما ارتأوه من كفر شيخ الأباطح سلام الله عليه من بعض ما ذكرناه من الوجوه، فهلم معي لننظر فيها خاصة وفيما جاء فيها بمفردها، فنقول:
أولا: إن هذه الآية متوسطة بين آي تصف المؤمنين، وأخرى يذكر سبحانه فيها الذين لم يؤمنوا حذار أن يتخطفوا من مكة المعظمة، فمقتضى سياق الآيات أنه سبحانه لم يرد بهذه الآية إلا بيان أن الذين اهتدوا من المذكورين قبلها لم تستند هدايتهم إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، وإنما الاستناد الحقيقي إلى مشيئته وإرادته سبحانه على وجه لا ينتهي إلى الإلجاء بنحو من التوفيق، كما أن استناد الإضلال إليه سبحانه بنحو من الخذلان، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيطا في تبليغ الدعوة (فإن تولوا