مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتى كملت سبعا فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة بهي المنظر حسن الزي ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى وصلى الظهرين، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علي فرددت فقال: ما اسمك؟ وأظن أن اسمك علي؟ قلت: صدقت، فحادثني باللين محادثة من يعرفني فقال: ما اسم أبيك ويوشك أن يكون فاضلا؟ قلت: نعم، ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام إلى مصر فقلت: أيها الشيخ ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق؟ فقال: لا، قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟ قال: لا ومولاي صاحب العصر قلت له: ومن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟ قال:
اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك وأصلك ومعرفة اسمك وشخصك وهيئتك واسم أبيك، وأنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء، فسررت بذلك حيث قد ذكرت، ولي عندهم اسم، وكان من عادته أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعا وأوصل المسيرة إلى أصحابها المقررة، فلما أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم عزم على السفر وحملني معه وسرنا في البحر، فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء؟ فقلت له:
إني أراه على غير لون ماء البحر، فقال لي: هذا هو البحر الأبيض وتلك الجزيرة الخضراء وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته وبحكمة الله تعالى أن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر (عليه السلام)، فاستعملته وشربت منه فإذا هو كماء الفرات، ثم إنا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض وصلنا إلى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة آهلة ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة ودخلنا البلد فرأيته محصنا بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوعة وفيها أسواق كثيرة وحمامات عديدة وأكثر عماراتها برخام شفاف وأهلها في أحسن الزي والبهاء فاستطار قلبي سرورا لما رأيته، ثم مضى بي رفيقي محمد - بعدما استرحنا في منزله - إلى الجامع المعظم فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر أن أصفه