منهج الرشاد لمن أراد السداد - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - الصفحة ٥٦٩
عمائم المشايخ عن رؤوسهم. فعند ذلك يقول بصوت يسمع الخلائق غير الثقلين: يا غسال بالله عليك إنزع ثيابي برفق، فأني الساعة استرحت من مخاليب ملك الموت، فإذا صب عليه الماء صاح كذلك. فإذا رفع عن المغتسل، وشد مواضع قدميه بالكفن، يقول: بالله عليك لا تشد رأس كفني ليرى وجهي أهلي وأولادي وعروسي التي كنت أحبها، وينظر إلى وجهي أقربائي، وأحبائي وإخواني، وجيراني، ورفقائي، فأن هذه آخر رؤياي.
فإذا خرج من الدار، نادى بالله عليكم يا حملة نعشي لا تعجلوا بي، حتى أودع داري التي بنيتها، وزينتها ونقشتها بأنواع النقوش، وأهلي ومالي وأولادي، فأن هذا خروج لا مرد بعده إلى يوم القيامة.
فإذا رفعت الجنازة، نادى يا حملة نعشي بالله عليكم لا تعجلوا بي، حتى أسمع أصوات أولادي الذين يعولون خلف جنازتي، وعروسي التي تبكي علي، ووالدي الذي تقوس ظهره لموتي، ووالدتي التي شدت وسطها بالمنديل لمفارقتي، وقد نشرت شعرها، وضربت صدرها، وتقوس ظهرها، وابيضت عيناها لفقدي.
فإذا صلي على جنازته، ورفع من المصلى، ورجع بعض أصدقائه، يقول: يا إخوتاه كنت أعلم أن الميت ينساه الأحياء، لكن لا بهذه السرعة، رجعتم قبل أن تدفنوني، ونسيتموني بهذه السرعة، وجسمي بعد بين أظهركم.
فإذا وضع في لحده، ووضع عليه التراب، ينادي وأورثتاه، تركت لكم الكثير، فلا تنسوني، وتصدقوا عني على فقرائكم، ولو بكسرة خبز محترق، وعلمتكم القرآن والأدب، فلا تنسوني من الدعاء، فأني صرت محتاجا، كفقرائكم على أبوابكم، ومحتاجا إلى دعائكم، كصاحب حاجتكم إلى ساداتكم (1).
ومما يدل على بقاء حياتهم في قبورهم، ما دل على أن الميت بعدما يسأل، يفتح له باب إلى الجنة، إن كان من أهل الخير، أو إلى النار إن كان من أهل الشر، وبقاء اللذة والألم ظاهر في بقاء أثر الحياة.
وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا مات أحدكم، عرض عليه مقعده بالغدوة والعشي، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الميت يسأل في قبره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأن

(1) تراجع هذه الأحاديث في الجزء الخامس عشر من كنز العمال في الباب الأول (في ذكر الموت وفضائله)، حديث 42094 حتى حديث 43011 (من ص 548 حتى ص 758).
(٥٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 ... » »»