مقدمة المؤلف الحمد لله الذي تفرد بالأزلية والقدم، واشتق نور الوجود من ظلمة العدم، وأسس قواعد الشرع على وفق المصالح والحكم، وفضل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم، وأنزل القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، وحذر عن اتباع الملاذ والشهوات، وأمر بالوقوف عند الشبهات، وأنذر عن متابعة الآباء والأمهات، والصلاة والسلام على من قدمه على جميع أنبيائه، وفضله على كافة أصفيائه، (محمد) المختار، صلى الله عليه وعلى آله، ما أظلم ليل، وأضاء نهار.
أما بعد: فقد ورد - إلى المقصر مع ربه، التائب إليه من ذنبه، الطالب من الله السداد، (جعفر) أقل طلبة أهل (بغداد) - كتاب كريم، مشتمل على كلمات كالدر النظيم، ممن لم يزل بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا زاجرا، الآمر بعبادة المعبود، الشيخ عبد العزيز بن سعود (1). فلما نظرته وتدبرته وتأملته وتصورته، خلوت في زاوية من الدار، وتصفحته تصفح الأنصاف والاعتبار. وقلت متهما لنفسي بالميل إلى العصبية والعناد، والركون إلى ما عليه الآباء والأجداد: يا نفس اعرفي قدر دنياك، واحذري شر من أغوى أباك، لقد تخليت عن نعيم الدنيا بحذافيرها، وقنعت بقليلها، ولو بقرص شعيرها، وتجنبت دار العزة والوقار، واخترت العزلة والخمول في هذه الديار.
فلو كنت في كبار البلدان، من ممالك بني (عثمان)، أو في بعض بلدان فارس وإيران لجاءت إليك الدنيا من كل جانب ومكان، ونلت من النعيم ما لم ينله إنسان، فاحذري أن تكوني مع الأعراض عن هذه النعم الفاخرة، ممن قد خسر الدنيا والآخرة.
فلما شممت منها رائحة التصفية، ورأيت أن نسبة المذاهب - لولا الله عندها - على التسوية، وجهتها إلى الكشف عن حقيقة الجواب عن الشبة الموردة في ذلك الكتاب،