بعد طلب كتابة الكتاب ومخالفة الأصحاب وصدور العتاب أمرهم بثلث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم إلى آخره وهل يكون هذا مقالة من غلبة الوجع ويتكلم بهذيان المرضى كلا لا يتكلم بنسبته هذا إلى سيد الأنبياء إلا الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله وقد اعترف النووي على ما نقله عنه الكرماني في شرح البخاري بتنزيه النبي (ص) في مرضه أيضا عن كلام المرضى حيث قال في الجواب عما أورد في هذا المقام من الطعن على عمر أعلم أن النبي (ص) معصوم من الكذب ومن تغيير شئ من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه ومن ترك بيان ما أمر ببيانه ما أوجب الله عليه تبليغه وليس هو معصوما من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام مما لا نقص فيه ولا فساد في شريعته ثم قال وقول عمر حسبنا كتاب الله رد على من نازعه لا على أمر النبي (ص) انتهى وفي كلامه الأخير بحث سيجئ عن قريب إن شاء الله تعالى وأما ما نقله الناصب عن علماء السوء من أن عمر خاف أن يكتب النبي (ص) شيئا لا يفهمه المنافقون إلى آخره فمع أن حاصله يرجع إلى الخوف عن أن يكتب (ص) هذيانا وهذرا فيه دليل على نفاقهم في الدين وخروجهم عن الطريق الواضح المبين وأين بقي في المدينة من المنافقين من يحتاجوا إلى عرض كتاب النبي (ص) عليه أو يعتد بفهمه ويصار في ذلك إليه ثم كيف يوجب اعوجاج فهم شرذمة قليلة من المنافقين الخاملين وقوع الاختلاف بين جماهير المسلمين الذين كانوا لأوضاع الكلام فاهمين لولا أن غالب من عبر عنهم بالمسلمين كانوا مخالفين للنبي (ص) وآله الطاهرين مع إنا نعلم أن طعن المنافقين وشرهم لم يكن أشد وأقبح مما فعله هو بحضرة النبي (ص) من نسبته إلى الهجر والهذيان ومن العجب أن النبي (ص) قال ايتوني بقرطاس أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا ولم يقبلوا قوله ولم ينقادوا لأمره بل قالوا فيه مرة قد غلبه الوجع وأخرى الهجر أو ليهجر ولما كتب أبو بكر في مرض موته إني استخلفت عمر فإن عدل فذاك ظني به ورأيي فيه وإن بدل ورجا فلكل أمر ما اكتسب إلى آخره قبلوا وصيته وانقادوا لأمره وأخذوه بمنزلة النصوص مع أن كتاب أبي بكر كان على وجه يقيم الناظر في مقام الطعن والتردد حيث تردد فيه في شأن عمر بقوله فإن عدل وإن بدل كما مر ووصية النبي (ص) كان على وجه القطع والتعيين حيث قال أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا واجب من هذا أنهم يستدلوا على خلافة عمر بأن أبا بكر نص عليه بها مع أن ذلك وقع منه في حال المرض أيضا بإجماع الكل فكيف لا يحتمل كلام أبي بكر الهذيان والهذر واحتمل كلام النبي (ص) ذلك فهل كان أبو بكر أكمل من النبي (ص) وأتم ولنعم ما قال بعضهم في هذا المعنى شعر أوصى النبي (ص) فقال قايلهم قد ظل يهجر سيد البشر ورأوا أبا بكر أصاب فلم يهجر وقد أوصي إلى عمر وبالجملة منع النبي (ص) عن كتابة الوصية التي وصفها بكونها رافعا للضلالة عن الأمة قبيح شرعا وعقلا ويلزم منه ضلالة عمر وإضلاله للمسلمين إيقاظه الفتنة وإيقاعها بين المؤمنين كما صرح به القاضي أمير حسين اليزدي الشافعي في شرحه الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (ع) حيث قال بالفارسية أول فتنه كه درن مبا أهل اسلام واقعشدان بود كه پيغمبر در مرض موت فرمود قوامو عنى لا ينبغي عندي التنازع انتهى فعلى هذا يكون منع عمر لذلك سببا لضلالة الخلق وإيقاظا للفتنة التي قد استمرت بين المسلمين وقد صح عن النبي (ص) أنه قال الفتنة نائمة لعن الله من إيقاظها فافهم وأيضا قوله حسبنا كتاب الله كلام مموه لا يرجع إلى حاصل سوى نقض عهد الغدير والغدر على حضرت الأمير لأن كتاب الله تعالى قرآن صامت غير ناطق ولاشتماله على المجمل والمأول والمتشابه والظاهر والمطلق والعام والناسخ والمنسوخ والمجاز والمشترك والمشكك ونحوها لا يقدر كل أحد أن يستنبط حقايق أحكامه فيحتاج إلى إمام عالم راسخ ناطق بحقايقه كاشف عن دقايقه وقد اعترف بذلك المولى الفاضل العارف قطب الدين الأنصاري الشيرازي الشافعي في بعض مكاتيبه حيث قال بالفارسية راه بي ثرانماى نميتوان يافت وكفتن انكه چون كتاب الله وسنة رسول الله در ميانست بمرشد چه حاجتست بان ماند كه مريض گويد جون كبت طب هست كه اطبا نوشته اند چو امر باطبا رجوع بايد كرد كه أين سخن خطا استبراى انكه هركس را فهم كتب ميسر است واستنباط از آن ميتوان كرد مراجعت باهل استنباط ميبايد كرد كه ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم كتاب حقيقي صدور أهل علم است كه بل هو آيات بينات في صدور الذي أوتوا العلم نه بطون دفاتر چناچه حضرت أمير المؤمنين (ع) فرمود انا كلام الله الناطق وهذا كلام الله الصامت انتهى وأيضا أكثر الأحكام الشرعية إنما استنبط من الأحاديث النبوية وأما كتاب الله تعالى فآياته الأحكامية إنما هي خمسمائة آية وظاهر أن الأحكام المستنبط منها إلى الآن كم يكون فكيف يصح أن يقول عمر إن في جميع أحكام الدين حسبنا كتاب الله تعالى نعم حسبه كتاب الله خصما منتقما منه يوم القيامة حيث أضاعه وأضاع قرينة المدلول عليهما بقوله إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي الحديث وأما قول الناصب فيكون المعنى موافقا لما هو في بعض الصحاح إلى آخره ففيه اعتراف بما أنكره قبيل ذلك من وقوع لفظ الهجر في الصحاح فافهم ثم تمثيله في إصلاح الكلام بقوله كما يقول المريض ناولوني فلانا وهو لا يريد عين الاعتراف بكون ذلك هذيانا فكيف يصلح به ما أفسده الدهر وأما ما ذكره من أن عمر كان يقول كثيرا للنبي (ص) في أيام صحته افعل فلانا ولا تفعل فلانا إلى آخره فحاشا للنبي (ص) عن أن يحتاج إلى أمر وناه وداع وزاجر ولعله اشتبه الأمر على الناصب إذ الظاهر أن الذي كان يقول له عمر ذلك هو صاحبه أبو بكر الذي كان يلتمس الناس في خلافته ويقول لهم إن لي شيطانا يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني كيف وقد أدب الله تعالى أصحاب النبي (ص) ونهاهم في محكم كتابه أن يدخلوا بيته ويتكلموا معه عن غير سبق الإذن وأن يرفعا أصواتهم فوق صوته وأن يجهروا عنده في القول إلى غير ذلك من الآداب وأما قوله ومن علم أحوال عمر مع رسول الله (ص) طول صحبته لم يتعجب من هذا فمجاب بأن من علم مقام رسول الله (ص) وعظم شأنه ونير برهانه وتأييده بالوحي الإلهي وآمن به من صميم القلب وخلوص البال كان حقيقا بأن يتعجب من هذا تعجبه من وقوع المحال وأما ما ذكره من أن قول المصنف إنه (ص) أراد أن ينص حال موته على خلافة علي (ع) من باب الإخبار بالغيب ففيه أن الاطلاع على الغيب قد يكون بإلهام الله وتأييده بالحدس والتفرس كما ورد من قوله (ص) اتقوا فراسة المؤمن وقد علم ذلك السلف الحاضرون هناك بقراين موجبة لعلمهم بذلك وأخبروا به من بعدهم فلا يلزم الإخبار بالغيب
(٢٣٥)