سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك وهذا حديث نقله جمهور أرباب الصحاح ولا شك في صحته لأحد وهذا حجة على الروافض حيث يقولون إن بيعة أبي بكر كان باختيار عمر بن الخطاب فإنه لو صح ما ذكروا إنه كان باختياره فهو حق لا شك فيه بدليل هذا الحديث لأنه سلك فجا يسلك الشيطان فجا غيره وكل فج يكون مقابلا و مناقضا لفج الشيطان فهو فج الحق لا شك وهذا من الالزاميات العجيبة التي ليس لهم جواب عن هذا البتة وفضايل عمر لا يعد ولا يحصى وقد كان راسخا في العلم متصلبا في الدين من الأشداء على الكفار كما هو مشهود معلوم لا ينكره إلا الروافض الجهلة روى في الصحاح عن رسول الله (ص) أنه قال بينا أنا قايم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض على عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله (ص) قال الدين ثم إنه أقدم بصحبة رسول الله (ص) وحضر معه في جميع غزواته وكان صاحب المشاورة وكثيرا ما كان يقول لرسول الله (ص) افعل ولا تفعل وكان رسول الله (ص) يعمل برأيه وينزل القرآن على تصديقه روى في الصحاح عن رسول الله (ص) أنه قال لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر وفي قصته أسارى بدر أنه لما شاور رسول الله (ص) أبا بكر فاختار الفداء وشاور عمر فاختار قتلهم فمال رسول الله (ص) إلى قول أبي بكر واختار الفداء وأنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسري حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم فصار في المشاورة قول عمر مختارا عند الله ثم إن الأعرابي ابن المطهر لم يصوب رأيه في اختيار خلافة أبي بكر ثم لما توفي رسول الله (ص) كان يوافق أبي بكر في تهيئة الجيوش وإقامة مراسم الدين والجهاد فلما انتهت إليه الخلافة أقام بأعبائها عشر سنين وفتح جميع أقطار البلاد وأخذ الملك من قيصر وكسرى وعمل ما هو أغنى من أن يذكر ولولا عمر لم يكن قواعد الإسلام والسنة قائمة وسيرته في الخلافة غنية عن الذكر والتعريف حتى أن بعض العلماء قال سير عمر في الخلافة كثيرة وأجلها أنه لبث في الخلافة مدة عشر سنين ولم يمر عليه يوم واحد إلا وقد فتح الله المسلمين مدينة أو عسكرا فلم يمض يوم جديد إلا عن فتح جديد وغنيمة جديدة ومع هذا لم يغير عمر سيرته وطريقته ولبس الخشن وأكل الخشن وكان كأحد من المسلمين في تواضعه وتردده في الأسواق أو لبسه الألبسة الخلقة وكان يحمل الطعام على رقبته لأيامى الغزاة وأولاد الشهداء وبالجملة الأخبار في هذا أكثر من أن يحصى ثم جاء في آخر الزمان أعرابي صكودن النجس ابن المطهر فوضع عليه المطاعن وها نحن نجري على عادتنا في نقل كلامه والرد عليه فنقول وبالله التوفيق ومن الإعانة وعليه التكلان انتهى وأقول يتوجه على ما ذكره ما لا يحصى من الرد والإيراد منها سماجة افتراءه على المصنف بنسبته إحراق بيت فاطمة (ع) إلى عمر لظهور أن المصنف لم يخبر بتحقيق الاحراق بل بمقصد الاحراق وجمع أسبابه وإخافة أهل البيت وتهديدهم بذلك وهذا ليس بفرية بل هو مما رواه المصنف عن جماعة من ثقات أهل السنة كما ترى وقد روى ذلك أيضا الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عن النظام من علماء المعتزلة ومنها أن هذا الناصب الشقي مع ادعاءه الاطلاع على التواريخ وأحوال العلماء والتصنيف فيه وكونه من الشافعية لم يعرف بعد أن محمد بن جرير الطبري الشافعي فإن هذا صاحب التاريخ الكبير والتفسير وذاك صاحب كتاب الايضاح وغيره في الإمامة وهذا محمد بن جرير ابن كثير بن غالب وذاك محمد بن جرير بن رستم وقد كتب النواوي الشافعي في كتابه الموسوم بتهذيب الأسماء وفي ترجمة محمد بن جرير صاحب التاريخ فقال محمد بن جرير تكرر ذكره في الروضة وهو الإمام البارع في أنواع العلوم وهو أبو جعفر محمد بن جرير بن كثير بن غالب الطبري وهو في طبقة الترمذي والنسائي سمع عبد الملك بن أبي الشوازي وأحمد بن منيع البغوي ومحمد بن حميد الرازي والوليد بن شجاع وأبا كريب محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم الدورقي وأبا سعيد الأشجع وعمرو بن علي ومحمد بن يسار وغيرهم من شيوخ البخاري ومسلم حدث عنه أحمد بن كامل ومحمد بن عبد الله الشافعي ومخلد بن جعفر وخلايق قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد استوطن الطبري وبغداد فأقام بها حتى توفي وكان أحد الأئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إليه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره وكان حافظا لكتاب الله تعالى عارفا بالقرآن بصيرا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين فمن بعدهم في الأحكام عارفا بأيام الناس وأخبارهم وله كتاب التاريخ المشهور وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله انتهى ما أردنا نقله وسيكذب هذا الناصب نفسه ويعترف فيما سيجئ من قصة نفي عثمان لأبي ذر إلى الربذة بأن الطبري كان من أرباب صحة الخبر بل يكذب نفسه بعيد ذلك بأسطر حيث وما رأينا أحد روى هذا إلا أن الروافض ينسبونه إلى الطبري الخ فإن هذه العبارة مشعرة بأن الطبري ليس من الروافض فافهم وأما الواقدي فهو على ما ذكره السمعاني في كتاب الأنساب أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المديني قال السمعاني هو مولى أسلم سمع ابن أبي زيب ومعمر بن راشد ومالك بن أنس ومحمد بن عجلان وربيعة بن عثمان وأبي جريح وأسامة بن زيد وعبد الحميد بن جعفر وسفيان الثوري وجماعة كثيرة سوى هؤلاء روى عنه كاتبه محمد بن سعد أبوه حسان الزياوي ومحمد بن إسحاق الصنعاني وأحمد بن عبيد بن الناصح والحرث بن أبي أسامة وغيرهم وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره ولم يخف على أحد عرف الأخبار عرف الناس أمره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي (ص) والأحداث التي كانت في وقته وبعد وفاته (ص) وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك وكان جوادا كريما مشهودا بالسخاء ولي القضاء بالجانب الشرقي منها وذكر أنه ولد سنة ثلثين ومائة ووفاته في ذي الحجة سنة سبع ومأتين وفيه أنه لما انتقل من بغداد من الجانب الشرقي إلى الغربي حمل كتبه على عشرين ومائة وقر وقيل كان له ستمائة قمطر من الكتب وقيل إن حفظه كان أكثر من كتبه انتهى وكذا الحال في ابن عبد ربه وابن خيرانة فظهر أن الإنكار تعنت وعناد تدبر ومنها أن ما ذكره سود الله وجهه في الوجه الأول من أن بيت فاطمة (ع) كانت متصلا ببيوت أزواج النبي (ص) مسلم لكن كونه متصلا بالمسجد وقبر النبي (ص) غير مسلم لما روي أن بيت فاطمة (ع) كان في وسط البيوت فلا يلزم من إحراق بيت فاطمة إحراق المسجد وأما ما ذكره من البيوت كانت معمولة من السعف اليابس كان مأخوذا في بعض أرواث البيت فهو مسلم ولا يلزم من ذلك مع كثرة ما هناك من الأرواث الطينية أو الحجرية تعدي الاحراق إلى المسجد والقبر مع احتمال أن عمر لو استحى عن ذلك لأقام هناك من يدفع التعدي بالماء والتراب وإن أراد إنها كانت مبنية من مجرد الخشبات والسعف فكذبه ظاهر من الأخبار على أن من لا يبالي بإحراق فاطمة التي هي بضعة من النبي (ص) وأولادها الذين هم أفلاذ كبده (ص)
(٢٣٠)