وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم فلما ولى المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون فجاء رسول الله بني علي فطالبها فأمر أن يسجل لهم بها فكتب السجل وقرئ على المأمون فقام دعبل وأنشد شعر أصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مأمون هاشما فدكا وفي فدك اختلاف كثير في أمرها بعد النبي (ص) من رواه أخبرها بحسب الأهواء وشدة المراء انتهى كلام المعجم والغرض من نقل كلامه بيان أن فدك الذي ادعاها فاطمة (ع) ماذا قال الناصب لم يعرفنا المتنازع فكتب أولا في أصل نسخته بخطه الميشوم أن عمر رد فدك إلى علي وعباس ثم ضرب الخط على لفظ فدك وكتب بدله سهم بني النضير وأما ما ذكره هو وصاحب المعجم من أن عمر رد فدكا إلى علي وعباس لهو كاذب مناقض لما ذكره صاحب المعجم في ترجمة صنعاء اليمن من حديث معمر عن الزهري عن مالك بن أويس بن الحدثان حيث ذكر فيه أن عمر قال لعلي وعباس فجئتنا أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها الخ فإن هذا كما يدل على سوء أدبه بالنسبة إلى رسول الله (ص) وبالنسبة إلى علي وعباس (ع) والرضوان على يدل شدته في وامتناعه عن رد فدك إليهما ولعل البخاري لما اطلع على توجه الطعن على عمر فيما أتى به من تلك العبارة المشتملة على سوء الأدب بالنسبة إلى رسول الله (ص) حتى عد ذلك عبد الرزاق بن همام الصنعاني المحدث من حماقات عمر وشنع غيره أيضا حاول إصلاح ما أفسده الدهر وحذف تلك العبارات الدالة على سوء الأدب دفعا للشناعة عن عمر كما ارتكب مثل ذلك في كثير من الأحاديث ولهذا صار كتابه معتبرا بينهم كما ذكرناه سابقا ولنعم ما قال صاحب المعجم إن في أمر فدك اختلاف كثير من رواة خبرها بحسب الأهواء وشدة المراء وأيضا يناقض ذلك ما رواه الشيخ جلال الدين السيوطي الشافعي في تاريخ الخلفاء من أن فدكا كان بعد ذلك حبوة أبي بكر ثم عمر ثم اقتطعها مروان وأن عمر بن عبد العزيز قد رد فدكا إلى بني هاشم وروي أيضا أنه ردها إلى أولاد فاطمة انتهى وثانيا أن ما ذكره من أن رسول الله (ص) كان ينفق على أزواجه وساير عياله ومصالحه من فدك كذب صريح بل كان ذلك من غيرها مما اصطفاها الله تعالى لنبيه (ص) ولو كان كذلك لكذبت الأزواج فاطمة (ع) في تلك الدعوى وقلن لها أنه (ص) كان ينفق منها علينا وعليك إلى حين وفاته فكيف تدعي الاختصاص بالهبة والنحلة وليس فليس فعلم أن فاطمة (ع) كانت صادقة في دعواها وصح ما روي من أن فدك كانت بيد وكيل فاطمة (ع) وإن أبا بكر أخذها من يده وثالثا أن قوله وأما دعوى فاطمة (ع) إرث فدك وإنها منحولة لها من رسول الله (ص) فلم يثبت في الصحاح مردود بأن دعواها (ع) للإرث مذكور في أواخر باب غزوة خيبر من كتاب البخاري حيث روى بإسناده إلى عايشة أنها قالت أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص) قال قال رسول الله (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة والذي يدل إجمالا على ثبوت دعوى فاطمة فدكا وبطلان إنكار الناصب لذلك أنه لم يكن هناك شئ سوى فدك بيد أهل البيت (ع) حتى يحتاج أبو بكر في أخذه عمن يدعيه منهم إلى ذكر ذلك الحديث فافهم وأما دعوى النحلة فقد مر نقلا عن كتاب المعجم وقد روى من عدة طرق من طريق غيره أيضا والظاهر أنها (ع) ادعت النحلة أولا ثم لما رأت أنهم عكسوا قضية الشرع في شأنها وطلبوا منها البينة على أن ما في يدها منحولة إياها قالت لهم إن لم تقبلوا النحلة فالإرث ثابت فدفعوا ذلك بما اخترعوا من قولهم نحن معاشر الأنبياء لا نورث ورابعا أن ما ذكره من أن الحديث إذا صح بشرايطه يخصص حكم الكتاب؟؟؟ في غير الحديث المتواتر والمشهور كما وافق فيه أبو حنيفة وأما الخبر الواحد فهو إذا كان مخالفا لكتاب الله تعالى يكون مردودا لقوله (ص) إذا روى عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه ولا يخفى أن المراد بالحديث في هذا الحديث مثل هذا الخبر الواحد الذي تفرد به أبو بكر دون السنة المتواترة والآحاد المشهورة ولعل من جوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد بنى فيه على فعل أبي بكر وقد عرفت ما فيه على أنه يجوز أن يكون ذلك الحديث الذي تفرد أبو بكر بروايته من قبيل الغرانيق العلى الذي جوز أهل السنة إلقاء الشيطان له على لسان النبي (ص) وكيف يستبعد ذلك مع ما روى سابقا عن أبي بكر من أنه قال أن لي شيطانا يعتريني إلى آخره وخامسا أن ما رواه عن عمر من أنه ذكر حديث منع الإرث بمحضر جمع من الصحابة فصدقوه وما بعده من حديث أبي هريرة مردودان مكذوبان لا يقومان حجة علينا وإنما الذي يقوم حجة في هذا المقام هو الحديث المتفق عليه بين الفريقين كما مر والدليل على ذلك أن المتأمل يجزم بأنه لا وجه لأن يكون مثل هذا الخبر موجودا ولم يسمعه غير أبي بكر حتى نساء النبي (ص) وعلي وفاطمة (ع) مع أنهما كانوا مداومين في ملازمة النبي (ص) وبالجملة كيف يبين رسول الله (ص) هذا الحكم لغير ورثته ويخفيه عمن يرثه ولا يوصي إليهم بذلك حتى يقعوا في الدعوى الباطل والتماس الحرام مع أنه (ع) كان مأمورا خصوصا بإنذار عشيرته الأقربين وقد أخرج في جامع الأصول حديث شهر بن حوشب عن الترمذي وأبي داود أن النبي (ص) قال أن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله تعالى ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فيجب لهما النار فأي ضرر أعظم من أن يكون النبي (ص) كتم ذلك عن وصيته وورثته وأودعه أجنبيا لا فائدة له فيه وحاشاه من ذلك إذ هو رحيم رؤوف بالأباعد فضلا عن الأقارب إن قلت كفى تعريفا وإعلاما بذلك الخبر الذي ذكره النبي (ص) لأبي بكر من كبار أصحابه قلت الكفاية ممنوعة لأن أبا بكر إنما غلب علي وفاطمة (ع) بذلك الخبر من حيث أنه صار خليفة وقاضيا وادعى إن علمه قد حصل بذلك من الخبر المذكور وعلم القاضي كاف في إجراء الحكم ومن البين أنه لو لم يصر أبو بكر خليفة بل كان الخليفة غيره لما كان لذلك الخبر الواحد حجية أصلا في إثبات كون تركة النبي (ص) صدقة أما عند الخليفة على تقدير كونه غير أبي بكر فلأن شهادة الواحد مردودة فضلا عن روايته في مقام الشهادة وأما عند المدعية عليه أعني فاطمة (ع) فلما ظهر من أنها قد أنكرت ذلك الخبر وغضبت على أبي بكر في حكمه بما ذكر ولا مجال لأن يقال إن النبي (ص) لما عين أبا بكر للخلافة لم يحتج إلى إظهار ذلك لغيره لأن هذا خلاف ما عليه جمهور أهل السنة من عدم النص والتعيين لأحد وقد اعترف به الناصب فيما مر فتذكر على أن ما ذكر في حديث أبي هريرة من قوله لا يقتسم؟؟؟ دينارا إلى آخره لا يدل على عدم النحلة التي ادعاها فاطمة (ع) إذ على هذا التقدير كان فدكا تحت يد فاطمة (ع) يوم وفاة النبي (ص) فقد خرج عن مدلول قوله وما تركناه في هذا الحديث كما خرج عن مدلول الخبر الذي رواه أبو بكر بقوله ما تركناه صدقة إذ لا يصدق على ما انتقل من مال النبي (ص) بالهبة والنحلة في أيام حياته إلى ملك الغير أنه مما تركه النبي (ص) وذلك ظاهر جدا وسادسا أن ما ذكره من السؤال بقوله فإن قيل لا بد لكم من بيان حجية هذا الحديث ومن بيان ترجيحه على
(٢٢٥)