كانت متصلا معمولة من الكنين والسعف اليابس فإذا أخذ الحريق في بيت كان يحترق جميع البيوت والمسجد والقبر الكريم أكان عمر يقدم على إحراق جميع هذا ولا يخاف لومة لائم واعتراض معترض من تأمل هذا علم أنه من المفتريات الصريحة الثاني أن عيون بني هاشم وأشراف بني عبد مناف وصناديد قريش كانوا مع علي وهم كانوا في البيت وعندهم السيوف اليمانية وإذا بلغ أمرهم إلى أن يحرقوا في البيت أتراهم طرحوا الغيرة وتركوا الحمية رأسا ولم يخرجوا بالسيوف المسلة فقتلوا من قصد إحراقهم بالنار الثالث دفع الصايل على النفس واجب وترك الدفع إثم وأي صولة على النفس أشد من صولة الاحراق فكان يجب على علي أن يدفعه وإلا قدح في عصمته الرابع لو صح هذا دل على كمال عجز علي حاشاه عن ذلك فإن غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته وامرأته في داره وهو لا يقدر على الدفع ومثل هذا العجز يقدح في صحة الإمامة الخامس أن أمراء الأنصار وأكابر الصحابة كانوا مسلمين منقادين محبين لرسول الله (ص) أتراهم سكتوا ولم يكلموا أبا بكر في هذا وإن إحراق أهل بيت النبي (ص) لا يجوز ولا يحسن السادس لو كان هذا أمرا واقعا لكان أقبح وأشنع من قتل عثمان وقتل الحسين ولكان ينبغي أن يكون منقولا في جميع الأخبار لتوفر الغرايم والرغبان على نقل أمثال هذا وما رأينا أحدا روى هذا إلا أن الروافض ينسبونه إلى الطبري ونحن ما رأينا هذا في تاريخه و إن كان في تاريخه فلا اعتداد به لأنه من الواقعات العظيمة المشهورة وفي أمثال هذه لا يكتفى برواية واحد لم يوافقه أحد وأهل الحديث يحكمون بأن هذا منكر شاذ لأن الوقايع العظيمة يتوفر الدواعي إلى نقلها وحكايتها فإذا نقل مثل هذه الواقعة أحد من الناس أو جماعة من المجهولين المتعصبين فهي غير مقبولة عند أهل الحديث السابع أنه ينافي هذا رواية الصحاح فإن أرباب الصحاح ذكروا في بيعة علي لأبي بكر إن بني هاشم لم يبايعوا أبا بكر إلا بعد وفاة فاطمة (ع) ولم يتعرض أبو بكر لهم وتركهم على حالهم وكانوا يترددون عند أبي بكر ويدخلون في المشاورات والمصالح والمهمات وتدبير الجيوش فلما توفيت فاطمة (ع) بعث أمير المؤمنين (ع) إلى أبي بكر وقال اتيني وحدك فجاءه أبو بكر في بيته فجلسا وتحدثا ثم قال علي لأبي بكر إنك استأثرت هذا الأمر دوننا ما كنا نمنعك عن هذا الأمر ولا نحن نراك غير أهل لهذا ولكن كان ينبغي أن تؤخره إلى حضورنا فقال أبو بكر يا أبا الحسن كان الأنصار يدعون هذا الأمر لأنفسهم وكانوا يريدون أن ينصبوا أميرا منهم وكان يخاف منهم الفتنة فتسارعت إلى إطفاء الفتنة وأخذت بيعة الأنصار وإن كان لك في هذا الأمر رغبة فأنا أخطب الناس وأقيل بيعتهم وأبايعك والناس فقال أمير المؤمنين (ع) الموعد بيني وبينك بعد صلاة الظهر فلما صلوا الظهر رقى أبو بكر المنبر وقال أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم فقام علي وخطب وقال إن بيني وبين أبي بكر شئ في أنه استأثر هذا الأمر دوننا ولم يتوقف بحضورنا و هو أولى للخلافة ثم قال ابسط يدك لأبايعك فبايعه في محضر الناس وبايع بنو هاشم وتم هذا الأمر رواية الصحاح في بيعة علي أبي بكر وهذا كان أطوار الصحابة وهم لم يكونوا للملك طالبين ولا في الحكومة راغبين وكان أميرهم كفقيرهم فإن أبا بكر لم ينصب نفسه إماما ليأكل من أموال الناس ويتنعم باللذائذ فإن أصحاب الصحاح من الروايات اتفقوا على أنه لما ولى الخلافة أصبح يمشي في السوق وعلى رقبته أثواب يبيعها فجاءه أصحاب رسول الله وقالوا يا خليفة رسول الله (ص) أتدع الناس فوضى وتعمل في السوق فقال إن لي عيالا ولو لم أعمل في السوق لضاعوا وإني مصل بكم في أوقات الصلاة وأقيم بأمر الخلافة وأعمل في السوق لقوت عيالي فجلس أمير المؤمنين علي وأكابر الصحابة كعمر بن الخطاب وعباس وعثمان في المسجد قالوا عينوا شيئا لأبي بكر من بيت مال المسلمين ليبذله في عياله ويترك عمل السوق لئلا يضيع أمر المسلمين فعينوا له كل سنة ألفي درهم فأخذ في الستين من أيام خلافته أربعة آلاف درهم من بيت المال فلما قرب وفاته قال لعايشة يبيعوا جميع ما في تحت يدي وأدوا ما أخذت من بيت المال إلى عمر ليصرفه في مصالح المسلمين فإني لا أريد أن أخذ بهذه العمل شيئا فلما أدى ما أخذه من بيت المال بعث إلى عمر إجانة وحلينا وأثوابا عتيقة كانت عنده فلما رآها عرم بكى وقال لقد أتعب من بعده وأوصى أبو بكر أن يكفن في أثوابه التي لبسها في أيام حياته وقال إن الحي بالجديد أجدر هكذا كان سيرتهم في الخلافة ثم إن ابن المطهر الأعرابي أخذ يكتب لهم المطاعن فلعن من مشوم طاعن هذا ما ذكره من مطاعن الصديق وشيخ المهاجرين والحمد لله الذي وفقنا لإبطال مطاعنه على وجه يرتضيه المؤمن الموافق ويتسلمه المخالف الشافق لظهور حجته وبهور برهانه ثم بعد هذا يذكر مطاعن عمر الفاروق ونحن على ما وعدنا قبل هذا نذكر أولا شيئا يسيرا من فضايل أمير المؤمنين حيثما ثبت في الصحاح فنقول وبالله التوفيق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عدي بن كعب بن لوي ونسبه يتصل برسول الله (ص) في كعب بن لوي وهو كان قبل البعثة من أكابر قريش وصناديدها وأمه كانت مخزومية أخت وليد بن مغيرة وكان عمر في الجاهلية مهيبا معظما مقبول القول وكان رياسته شبان قريش ولاستيلاء والقوة انتهت إلى عرم وأبي جهل وأبي الحكم بن هشام ولما بعث رسول الله (ص) واستولى الكفار على المسلمين وضعف أمر الإسلام واختفي رسول الله (ص) في بيت الأرقم مخافة سطوة الكفار ولم يقدر أحد أن يظهر الإسلام دعى رسول الله (ص) اللهم أعز الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فوقع الدعاء له فأسلم عمر صبيحة ليلة دعا فيها رسول الله (ص) ودخل على رسول الله (ص) وهو كمل الأربعين لأن بإسلامه تكمل عدد المسلمين بأربعين وقال رسول الله (ص) يا رسول الله اللات والعزى يعبدان علانية ويعبد الله تعالى سرا فخرج هو والنبي (ص) وساير الأصحاب ويقدمهم حمزة وعمر حتى دخلوا المسجد وصلوا في الحرم وطافوا وخرجوا إلى بيتهم وقال أصحاب رسول الله (ص) ما زلنا في عز منذ أسلم عمر ثم كان وزيرا لرسول الله (ص) طول حياته لا يصدر عن أمر إلا برأيه ومشاورته وكان ينطق السكينة على لسانه كما روى في الصحاح عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص) إن الله تعالى وضع الحق على لسان عمر وقلبه وفي الصحاح عن عتبة بن عامر قال قال النبي (ص) لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب وكان مهيبا يخافه المنافقون والكفار وأرباب الفساد روى في الصحاح عن سعد بن أبي وقاص قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله (ص) وعنده نسوة من قريش تكلمه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب فدخل عمر ورسول الله (ص) يضحك فقال أضحك الله سنك يا رسول الله (ص) مم تضحك فقال النبي (ص) عجبت من هؤلاء الآتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنن ولا تهبن رسول الله (ص) فقلن أنت أفظ وأغلظ فقال رسول الله (ص) يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان
(٢٢٩)