فصل (قصور الفهم عن إدراك مرتبة أمير المؤمنين عليه السلام) كيف أنكروه، وما عرفوه، وبمجرد السمع له ردوه، وهو لعمري غرة فخر الأنوار، ودرة بحر الأسرار، وزبدة مخض الأسرار، ومعرفة أسرار الجبار، لأنه النهج الاسم، والاسم الأعظم، والترياق الأكبر، والكبريت الأحمر، ولكن ذا المذاق الوثي، والصدر الشجي، لا يفرق بين الحنظل والسكر.
ولما كانت الموهبة من الكلم (1) المخزون أنكرتها العقول لقصورها عن ارتقاء عالي قصورها، وصعقت عند سماع نفخة صورها، فالغالي والقالي هلكا في بحر الإفراط والتفريط، والتالي والموالي وقفا عند ظاهر التشكيك والتخليط. فالقالي حجبه عن نورهم العالي ظلمة الكبر والحسد، والغالي تاه في تيه أسرارهم فضل عن سبيل الرشد، والتالي قاسهم بالبشر فوقف عن أسرارهم وقعد، والعارف نظر إلى ما فضلوا به من المواهب الإلهية فعرف أنهم سر الواحد الأحد، وأن ظاهرهم باطن الخلايق، وباطنهم عين الحقايق، وغيب الإله الخالق، فعلم من قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)، فهم مفاتح غيب الله التي لا يعلم فضلها وسرها إلا الله، وإن رفيع شرفهم لا تنال أيدي العقول علاه، وخفي سرهم لا تدرك الأفهام والأوهام معناه، ولهذا قيل في الحكمة: لا تحدث الناس بما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل من أسمعته نكرا يوسعك منه عذرا، وليس كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال تجد له رجال. وقال ابن عباس للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله أأحدث بكل ما أسمع؟ فقال: نعم إلا أن يكون حديثا لا تبلغه العقول، فيجد السامع منه ضلالة وفتنة.
وقال رجل للصادق عليه السلام: أخبرني لماذا رفع النبي عليا على كتفه؟ قال: ليعرف الناس مقامه ورفعته. فقال: زدني يا بن رسول الله. فقال: ليعلم الناس أنه أحق بمقام رسول الله. فقال: زدني.
فقال: ليعلم الناس أنه إمام بعده والعلم المرفوع. فقال: زدني. فقال: هيهات والله لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عني وأنت تقول إن جعفر بن محمد كاذب في قوله أو مجنون.
وكيف يطلع على الأسرار غير الأبرار. وقال علي بن الحسين عليهما السلام: