أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ٢٥٩
بذلك، كما اشتد الخوف.
والذي آمركم به - أيها الإخوان - أن يشتد خوفكم، ويعظم حذركم، فإن ذلك أدعى للنجاة. وأضرب لكم مثل رجلين توجها في طريق فسألا عنها، فقال لهما قوم: إنه كثيرة المرعى والكلأ، غزيرة الماء، عظيمة الأمن، وقال آخرون: بل هي طريق موحش، قليل الماء والكلأ والمرعى، مخوف شديد الخطر، فأخذ أحدهما بقول من شهد بالمخافة، فتزود وأكثر من الزاد والماء والعدد، وما يؤنسه، وكل ما تحصل به السلامة والأمن. وسكن الآخر واطمأن إلى قول من أخبره بسلامة الطريق وأمنها، وكثرة كلئها ومرعاها. فلما سارا فيها، وجدها الذي تزود على ما حذرها، ففاز بالنجاة والسلامة بكثرة الأزواد، وهلك وعطب الذي لم يتزود، وندم حيث لم تنفعه الندامة.
ولو قدرنا أنهما لو وجدا الطريق على ما وصفها الواصفون لها، بالأمن وكثرة الماء والمرعى، أكان يضر الذي عمل بالحزم واحتاط لنفسه بالزاد؟
فتيقظوا - رحمكم الله - وتفكروا في المثل، وانظروا فيه، فإنه عبرة لأولي الألباب، وتبصرة لمن أناب وعرف الصواب.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" غضوا أبصاركم، واحفظوا ألسنتكم، وحصنوا فروجكم، وكفوا أيديكم، واعلموا أن الأيام صحائف أعمالكم، فلا تخلدوا إلى الأيام ونعيمها، ورب مستدرج بالإحسان إليه، مفتون بحسن القول فيه، مغرور بالستر عليه ".
واعلموا - أيدكم الله - أن العقل لو ترك من هوى صاد، ومألف معتاد، وأنفة من انقياد، لساق المرء إلى الرشاد، وهجم به على الصلاح والسداد، ولكن تعوق عن إدراك الحق أمور يجب أن يحذرها العاقل النحرير:
منها: ترك التعلم، وتقليد الآباء والمربين، واتباع السادة المنعمين.
ومنها: النشوء بين أهل بلدتهم، واتباعهم في فاسد معتقدهم.
ومنها: محبة العز والقدرة، واتباع عالي الكلمة والإمرة، وهذا مما تميل إليه الطباع، وتشتهيه النفوس، وقد يكون هذا من وجهين:
أحدهما: الانضمام إلى ذي سلطان لعزه، والأخذ بمذهبه لعلو أمره وشأنه.
والآخر: تقدم يحصل للإنسان في مذهب باطل، يتبعه عليه من الضعفة قوم
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»