العام ما حرم عاما أول، وإن أول ما أحدث الناس البدع، ولا يحل لكم شئ مما حرم عليكم، ولكن الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، فقد جربتم الأمور وصرفتموها، ووعظتم بمن كان قبلكم، وضربت الأمثال لكم، ودعيتم إلى الأمر الواضح، فلا يصم عن ذلك إلا أصم، ولا يعمى عنه إلا أعمى، ومن لم ينفعه الله تعالى بالبلاء والتجارب، لم ينتفع بشئ من العظة، وأتاه التقصير من أمامه، حتى يعرف ما أنكر، وينكر ما عرف، وإنما الناس رجلان: متبع شرعة، ومبتدع بدعة، ليس معه من الله سبحانه برهان سنة، ولا ضياء حجة، وأن الله - سبحانه - لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع أنه قد ذهب المتذكرون، وبقي المتناسون والناسون، فإذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه، وإذا رأيتم شرا فاذهبوا عنه، فأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: يا ابن آدم، اعمل الخير، ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد.
ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب.
فأما الظلم الذي لا يغفر، فالشرك بالله تعالى، قال الله تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ (1) وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعض لبعض. وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات (2).
القصاص هناك شديد، ليس هو جرحا بالمدي، ولا ضربا بالسياط، لكنه ما يستصغر ذلك معه، فإياكم والتلون في دين الله، فإن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل، وإن الله سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا، ممن مضى ولا فيمن بقي.
يا أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعة الله، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة " (3).
وقال عليه السلام لبعض أصحابه: " واعلم أن الدنيا دار بلية، لم يفرغ صاحبها