كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٤٩
والجواب: المنع من إرادة هذا المجاز فإن النظر (1) وإن اقترن به حرف

(1) لما كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي لغاية الرؤية وكان النظر بهذا المعنى مستلزما لكونه سبحانه ذا جهة، فسر المستدل النظر بالغاية والمسبب، أعني: أصل الرؤية وأخرج السبب أي تقليب الحدقة عن مفاده ولذلك أسماه معنى مجازيا.
والحق أن الآية لا تدل على نظرية الأشاعرة، إذ أن الناظرة وإن كانت تتضمن الرؤية لكن ليس المراد الرؤية بالأبصار بقرينة أن الناظرة في الآية هو الوجوه لا العيون. فالآية تخبر عن نظر الوجوه إلى الرب، لا عن نظر العيون، فعندئذ يصبح نظر العيون كناية عن انتظار الرحمة.
وبعبارة أخرى: تفسير الآية لا يتوقف على تعيين معنى الناظرة لغة، وأنها هل هي بمعنى الرائية، أو المنتظرة، بل نحن نفترض أنها بمعنى الرائية لغة ومستعملة في ذلك المعنى اللغوي قطعا ولكن يجب أن يحقق أن المراد الاستعمالي هو المراد الجدي أو أنه كناية عن انتظار الرحمة، فتعيين أحد الأمرين هو المفتاح لفهم معنى الآية، فنقول: لا سبيل إلى الأول وإلا كان اللازم إسناد النظر بمعنى الرؤية التي هي المقصود الجدي أيضا إلى العيون، لا إلى الوجوه إذ الرؤية الحقيقية لا تتحقق بالوجوه بل بالأبصار، والثاني هو المتعين يعني أن النظر بمعنى الرؤية كناية عن انتظار الرحمة بشهادة إسناده إلى الوجوه.
وهناك طريق آخر لفهم معنى الآية، وهو فهمها بالنظر إلى مقابلتها، فإن الآية الثالثة تقابل الآية الأولى، كما أن الرابعة تقابل الثانية، وعند المقابلة يرفع إبهام الثانية بالآية الرابعة، وإليك تنظيم الآيات حسب المقابلة:
أ - * (وجوه يومئذ ناضرة) * يقابلها قوله: * (وجوه يومئذ باسرة) * (القيامة: 22 و 24).
ب - * (إلى ربها ناظرة) * يقابلها قوله: * (تظن أن يفعل بها فاقرة) * (القيامة: 23 و 25).
وبما أن مقابل الآية الثانية واضح المعنى فيكون قرينة على المراد منها، فإذا كان المقصود من المقابل أن الطائفة العاصية تظن وتتوقع أن ينزل بها عذاب يكسر فقرها، ويقصم ظهرها، يكون المراد من - عدله وقرينه، عكسه وضده، وليس هو إلا أن الطائفة المطيعة تكون مستبشرة برحمته، ومتوقعة لفضله وكرمه، لا النظر إلى جماله وذاته وهويته، وإلا لخرج المقابلان عن التقابل وهو خلف.
وبعبارة أخرى: يجب أن يكون المقابلان - بحكم التقابل - متحدي المعنى والمفهوم، ولا يكونا مختلفين في شئ سوى النفي والإثبات، فلو كان المراد من المقابل الأول، أعني: (إلى ربها ناظرة) هو رؤية جماله سبحانه وذاته، فيجب أن يكون الجزاء في قرينه، أعني: (تظن أن يفعل بها فاقرة) هو حرمان هؤلاء عن الرؤية أخذا بحكم التقابل. وبما أن تلك الجملة - أعني: القرين الثاني - لا تحتمل ذلك المعنى، أعني: الحرمان من الرؤية، بل صريحة في انتظار العذاب الفاقر، يكون ذلك قرينة على المراد من القرين الأول، هو رجاء رحمته وانتظار فرجه وكرمه.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»