على ذلك بوجوه:
الأول: إنا نعلم ضرورة حسن بعض الأفعال كالصدق النافع، والاتصاف، والاحسان ورد الوديعة، وإنقاذ الهلكى، وأمثال ذلك، وقبح بعض كالكذب الضار، والظلم، والإساءة غير المستحقة، وأمثال ذلك من غير مخالجة شك فيه.
ولذلك كان هذا الحكم مركوزا في جبلة الإنسان فإنا إذا قلنا لشخص:
إن صدقت فلك دينار، وإن كذبت فلك دينار، واستوى الأمران بالنسبة إليه، فإنه بمجرد عقله يميل إلى الصدق.
الثاني: أنه لو كان مدرك الحسن والقبح هو الشرع لا غير، لزم أن لا يتحققا بدونه، واللازم باطل فالملزوم مثله.
أما بيان اللزوم: فلامتناع تحقق المشروط بدون شرطه ضرورة.
وأما بيان بطلان اللازم فلأن من لا يعتقد الشرع ولا يحكم به كالملاحدة، وحكماء الهند يعتقدون حسن بعض الأفعال، وقبح بعض من غير توقف في ذلك فلو كان مما يعلم بالشرع لما حكم به هؤلاء.
الثالث: أنه لو انتفى الحسن والقبح العقليان انتفى الحسن القبح الشرعيان، واللازم باطل اتفاقا فكذا الملزوم.
وبيان الملازمة: بانتفاء قبح الكذب حينئذ من الشارع إذ العقل لم يحكم بقبحه، وهو لم يحكم بقبح كذب نفسه، وإذا انتفى قبح الكذب منه انتفى الوثوق بحسن ما يخبرنا بحسنه، وقبح ما يخبرنا بقبحه.
قال: (الثاني: في أنا فاعلون بالاختيار والضرورة قاضية بذلك، للفرق الضروري بين سقوط الإنسان من سطح ونزوله منه على الدرج، وإلا