الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٣٠٠
فأما الاشفاق والرحمة فليس يجوز أن يكون عليه السلام أشفق علينا وأرحم بنا بالاطلاق وفي كل أمر وحال، بل لا بد من أن يقيد ذلك بما يرجع إلى الدين، فإذا قيد به فقد عاد الأمر إلى فرض الطاعة، لأنه لا يكون بهذه الصفة إلا من وجبت طاعته، ولزوم الانقياد لآمره ونهيه، وكيف لا يجب طاعة من يقطع على أنه لا يختار لنا ويدعونا إلا إلى ما هو أصلح لنا في ديننا وأعود علينا وأدخل في حسن النظر لمعادنا، وكان صاحب الكتاب عبر عن التقرير لفرض الطاعة بلفظ آخر يقوم مقامه لأنه لا فرق بين أن يقول: إنه أولى بأن نطيعه وننقاد له، وبين أن يقول: إنه أولى بالإشفاق علينا، وحسن النظر فيما يرجع إلى ديننا، لأن الوصف الذي لا يثبت إلا لمفترض الطاعة كالوصف بفرض الطاعة، وهذه الصفة يعني الاشفاق وحسن النظر في الدين، حاصلة للإمام عندنا فكيف يقال إن اللفظ لا يليق بالإمامة، ويليق بمقتضى النبوة.
وقوله: (ليس بمقصود) لا يغني شيئا لأنا قد ذكرنا أن أحدا لم يجعله غير مقصود، وأبطلنا شبهة من حمله على خلاف التقرير بفرض الطاعة، وبينا أن الذي ذكره من الوجهين إما أن يكون بعض ما وجبت له فيه الطاعة والانقياد أو إثبات صفة لا تحصل إلا لمن تجب طاعته فكأن النبي صلى الله عليه وآله إذا صرنا إلى ما ذكره صاحب الكتاب قررهم في المقدمة (1) بإحدى الصفتين اللتين قد بينا أنهما لا تحصلان إلا لمفترض الطاعة، وإذا أوجب لغيره في الكلام مثل ما وجب له في المقدمة فقد حصلت له البغية، لأن من تجب طاعته على الخلق في سائر أمور الدين لا يكون إلا الإمام إذا لم يكن نبيا.

(1) قررهم أي النبي صلى الله عليه وآله في المقدمة وهي قوله: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم).
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»