وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ١٤٠
ومعرفتي بما يجب لك يكبر لدي، ويدي يعجز عن نيلك بما أنت أهله والكثير في جنب الله قليل، فإن قبلت الميسور ورفعت عنا مؤنة الاحتفال والاهتمام بما أتكلفه من واجبك فعلت؟ فقال: يا ابن رسول الله أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر على المنع، فدعى الحسن بوكيله يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فقال (ع) له: هات الفاضل، فأحضر خمسين ألف درهم فقال له الحسن بن علي : فبما فعلت بالمائة دينار؟ قال: ها هي عندي فقال: هاتها، فدفع الدارهم والدنانير إلى الرجل وقال: هات من يحمله لك، فأتى الرجل بحمالين فدفع الحسن رداءه لكرا الحمالين فقال له مواليه: والله ما بقي عندنا درهما واحدا فقال (ع): إني أرجو أن يكون لي عند الله الاجر العظيم.
وحكايات جوده (ع) تضيق بها الأرقام وتكل عن سطرها الأقلام، وأما حلمه فكفاك ما نطقت به ألسن أعدائه المظهرين له الشنآن، والمعلنين له بالبغض والعدوان، فقال مروان بن الحكم لما حمل جنازته قال له الحسين:
أتحمل اليوم سريره وبالأمس كنت تجرعه الغيظ؟ فقال مروان بن الحكم: كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
وروي أنه دخل رجل من أهل الشام المدينة فرأى رجلا راكبا على بغلة حسنة قال: فلم أر أحسن منه وجها، فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل لي هذا الحسن بن علي بن أبي طالب، فامتلأ قلبي عليه غيظا وحنقا وبغضا وحسدا على أن يكون لعلي بن أبي طالب ابن مثل هذا الغلام، فقمت إليه وقلت له:
أنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: نعم فقلت: ابن من ومن وجعلت أشتمه وأنال منه ومن أبيه وهو ساكت لم يرد جوابا، فاستحيت منه فلما انقضى كلامي ضحك وقال: أحسبك غريبا شاميا؟ قلت: نعم قال: هلم معي إلى منزلي إن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال رفدناك أو إلى حاجة عاوناك، فاستحيت منه وعجبت من كرم أخلاقه وانصرف وقد كنت أحبه ما لا أحب أحدا غيره وبالجملة فكرم أخلاقه لطيب أصله وأعراقه، فلعمري فهو ثمرة شجرة النبوة
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 135 136 137 139 140 141 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست