وتفنى، فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين.
قال الزنديق: وأنى له بالبعث والبدن قد بلي، والأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو صار ترابا بني مع الطين حائط؟!!
قال (عليه السلام): إن الذي أنشأه من غير شيء، وصوره على غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه.
قال الزنديق: أوضح لي ذلك!
قال (عليه السلام): إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه الخلق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب، محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قال الزنديق: فأخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة؟
قال (عليه السلام): بل يحشرون في أكفانهم.
قال الزنديق: أنى لهم بالأكفان وقد بليت؟
قال (عليه السلام): إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم.