موسوعة المصطفى والعترة (ع) - الحاج حسين الشاكري - ج ١٠ - الصفحة ٤٧
التفصي من الطينة! إن كانت الطينة حية أزلية، فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهم، فإن كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفناء؟ وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم، والميت لا يجيء منه حي.
وهذه مقالة الديصانية، أشد الزنادقة قولا وأمهنهم مثلا، نظروا في كتب قد صنفها أوائلهم، وحبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت، ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله بما جاءوا عن الله.
فأما من زعم أن الأبدان ظلمة، والأرواح نور، وأن النور لا يعمل الشر، والظلمة لا تعمل الخير، فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية ولا ركوب حرمة ولا إتيان فاحشة، وإن ذلك عن الظلمة غير مستنكر، لأن ذلك فعلها ولا له أن يدعو ربا، ولا يتضرع إليه، لأن النور الرب، والرب لا يتضرع إلى نفسه ولا يستعبد بغيره، ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول: أحسنت يا محسن، أو: أسأت، لأن الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها، والإحسان من النور، ولا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن، وليس هناك ثالث، وكانت الظلمة على قياس قولهم، أحكم فعلا، وأتقن تدبيرا، وأعز أركانا من النور، لأن الأبدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟
وكل شيء يرى ظاهرا من الزهر والأشجار والثمار والطير والدواب يجب أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها، وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور، فدعوى، وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل، لأنه أسير، وليس له سلطان، فلا فعل له ولا تدبير، وإن كان له مع الظلمة تدبير، فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز، فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة، فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وجامع فساد وشر، فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير
(٤٧)
مفاتيح البحث: الظلم (1)، الموت (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»