ولله درها، وعلى الله أجرها.
وقد اتسعت شقة الخلاف من ذلك اليوم اتساعا رهيبا، أعقبتها انقسامات وحروب متطاحنة راح ضحيتها ما لا يعلمه إلا الله طيلة هذه القرون المتمادية، وأزهقت النفوس وأريقت الدماء بين المسلمين، وبذلت نشاطات واسعة من بعض الفئات المتطرفة، ومن المرتزقة وأصحاب الأهداف الفاسدة، مما زاد في التنافر والتباغض بين جميع الفرق.
واقتضت مصالح الحكام الأمويين والعباسيين أن يعمقوا جذور هذه الفتن والخلافات فسخروا وعاظ السلاطين والمرتزقة وفاقدي الإحساس الإسلامي والورع والدين من الذين يدورون في فلكهم ويتقربون إليهم.
وانقرضت حكومات، وأعقبتها حكومات وفرق ومذاهب شتى منها ما لا ترتبط بمبادئ الإسلام لا من قريب ولا من بعيد لكنها اقتحمت الساحة بتشجيع من بعض الزعامات والحكومات لما وجدت الساحة ملغومة. واختلط الحابل بالنابل، وظهرت في الساحة الإسلامية أفكار شاذة ومذاهب مبتدعة.
وقد تستروا على فضائح الحكام الذين تربعوا على عرش الخلافة الإسلامية واقترفوا كل موبقة وجريمة، ويحسبون أنهم أمراء المؤمنين.
فلا مانع عند ابن تيمية أن يكون الخليفة طليقا، أو متجاهرا بالفسق والفجور، ويجوز الصلاة خلفه حتى لو كان يشرب الخمر ويلعب القمار، أو يزني، أو يلوط، أو يسفك الدماء المحرمة، أو كاذبا، أو جاهلا بالأحكام، أو مستهترا، أو مستهزءا بالمقدسات الإسلامية، وحتى لو قتل سبط رسول الله وريحانته، أو يتجاهر بالكفر فيقول:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل