اهتمام تربوي خاص لم يزل ذلك الوليد المبارك يترعرع في أحضان الرسالة، ويعتني به صاحبها محمد (صلى الله عليه وآله) وربيبها علي (عليه السلام) حتى بلغ من العمر زهاء سنتين، ولكن لم يتفتح لسانه عن أداء الكلام أبدا.
عجبا، إن ملامح الوليد تدل على ذكاء مفرط، ومضاء جديد، ومع ذلك فلم لم يتكلم بعد، أيمكن أن يكون ذلك لثقل في لسانه؟!
وذات يوم إذ اصطف المسلمون لإقامة صلاة الجماعة، يؤمهم الرسول الأعظم، وإلى جانبه حفيده الحبيب الحسين (عليه السلام) ولما تهيأ القوم للتحريم، كان الخشوع مستوليا على القلوب، والهدوء سائدا على الجو، والكل ينتظرون أن يكبر الرسول فيكبروا معه، فإذا هم بصوته الخاشع الوديع يكسر سلطان السكوت ويقول: الله أكبر...
وإذا بصوت ناعم خافت يشبه تماما صوت النبي (صلى الله عليه وآله) بكل نغماته ونبراته وما فيه من خشوع ووداعة يقول: الله أكبر...
إنه صوت الحسين (عليه السلام). فكرر الرسول: الله أكبر... فأرجع الحسين الله أكبر، والمسلمون يستمعون ويكبرون، ويتعجبون!! فردد الرسول (صلى الله عليه وآله) ذلك سبعا، ورجعه الحسين (عليه السلام) سبعا، ثم استمر النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاته والحسين (عليه السلام) يسترجع منه.
فقد كانت أول كلمة لفظها فم الحسين (عليه السلام) كلمة التوحيد: الله أكبر.
وفيما نخطو مع التاريخ بعض الخطوات الفاصلة ننظر إلى هذا الوليد بالذات - ذلك الذي لم يفتح فمه إلا على كلمة الله أكبر - ننظر إليه بعد خمس وخمسين سنة وهو يمارس آخر خطوات الجهاد المقدس، ويعالج آخر لحظات الألم وقد طرح على الرمضاء، يلفحه حر الشمس، ويمزق كبده الشريف حر العطش، ويلفه حر السلاح المصلصل.
فنستمع إليه وهو يحرك شفتين طالما لمستهما شفتا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتضرع إلى بارئه، يقول: " إلهي.. رضا برضاك، لا معبود سواك ".
ولا يزال يتمتع حتى يعرج بروحه الطاهرة المقدسة إلى السماء، عليه أفضل الصلاة والسلام.
وإذا ثبت بالتجارب الحديثة أن للوراثة آثارها البالغة، وأن للتربية حظها الكبير في إنما