صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٤
اما رسائل معاوية إلى الحسن، فقد رأيناها تأخذ - على الغالب - بأعراض الموضوع دون جوهرياته، وتفزع في الكثير من مضامينها إلى نبش الدفائن وتأريث النعرات الخطرة بين الاخوان المسلمين.
ومن الحق ان نعترف لمعاوية بسبقه استفزاز " الشعور الطائفي " لأول مرة في تاريخ الاسلام. بما كان يقصد اليه من طريق نبش هذه الدفائن، وتأريث هذه النعرات. فكان بذلك أول داع إلى فصم الوحدة التي بني عليها دين التوحيد، والتي هي - بحق - جوهر اصلاحه وسر نجاحه بين الأديان.
وكأن معاوية حين عجز عن اصطياد المغفلين من الناس، عن طريق نفسه أو عن طريق أبيه " أبي سفيان بن حرب " - ولهذين الطريقين سوابقهما المعروفة لدى المسلمين بأرقامها وتواريخها - رفع عقيرته في رسائله إلى الحسن، باسم أبي بكر وعمر وأبي عبيدة ولوح فيها بخلاف أهل البيت (عليهم السلام) على بيعة أبى بكر..
وكانت [رسائل معاوية] بجملتها لا ينقصها في الموضوع الذي ابردت لأجله الا الحجة لاثبات الحق الشرعي - عبر العرش المقدس -. وحتى الشبهة المتخاذلة التي كان يصطنعها لمقارعة علي عليه السلام، في حروبه الطويلة الأمد، باسم الثأر لعثمان، قد طويت صفحتها بموت الامام الأول، وها هو ذا تجاه الامام الثاني، الذي كان قد جثم بنفسه على باب دار عثمان يوم مقتله، يدافع الناس عنه، حتى لقد " خضب بالدماء " كما يحدثنا به عامة المؤرخين، ويقول الطقطقي في تاريخه (1): " ان الحسن قاتل عن عثمان قتالا شديدا، حتى كان يستكتفه وهو يقاتل عنه، ويبذل نفسه دونه.. ".
كل ذلك وعثمان بالموقف الدقيق الذي كان لا يفتأ يؤلب عليه فيه الآخرون، ويخذله الأقربون (2).

(1) الفخري (ص 74).
(2) لعل من الخير لمن أراد شرح هذا الاجمال، أن يرجع إلى ما صوره الأستاذ عبد الله العلايلي حفظه الله، من أحوال المجتمع على عهد عثمان، في
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»