حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٢١٦
" عافانا الله، وإياك، جاءني كتابك تذكر فيه الرجل الذي عليه الخيانة والغين، وتقول: احذره، وتذكر ما تلقاني به، وتبعث إلي بغيره، فاحتججت، فأكثرت، وزغمت عليه أمرا، وأردت الدخول في مثله... تقول: إنه عمل في أمري بعقله وحيلته، نظرا فيه لنفسه، وإرادة أن تميل إليه قلوب الناس، ليكون الامر بيده، وإليه يعمل فيه برأيه، ويزعم أني طاوعته فيما أشار به علي وهذا أنت تشير علي فيما يستقيم عندك في العقل والحيلة بعدك " بغيرك " لا يستقم الامر الا بأحد الامرين:
اما قبلت الامر على ما كان يكون عليه، واما أعطيت القوم ما طلبوا، وقطعت عليهم، وإلا فالامر عندنا معوج والناس غير مسلمين ما في أيديهم من مالي وذاهبون به، فالامر ليس بعقلك، ولا لحيلتك يكون.
ولا نفعل الذي نحلته بالرأي والمشورة، ولكن الامر إلى الله عز وجل وحده لا شريك له، يفعل في خلقه ما يشاء من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له ولن تجد له وليا مرشدا.
فقلت: واعمل في أمرهم، وأحيل فيه، وكيف الحيلة، والله يقول:
(وقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل) إلى قوله: عز وجل (وليقترفوا ما هم مقترفون) فلو تجيبهم فيما سألوا عنه استقاموا وسلموا وقد كان منى ما أمرتك، وأنكرت وأنكروا من بعدي، ومد لي لقائي، وما كان ذلك مني الا رجاء الاصلاح لقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
" اقتربوا أو سلوا فان العلم يفيض فيضا " وجعل يمسح بطنه ويقول: " ما ملئ طعام ولكن ملأته علما، والله ما آية نزلت في بر ولا بحر، ولا سهل ولا جبل الا أنا اعلمها، وأعلم في من نزلت " وقول أبي عبد الله (عليه السلام): " إلى الله أشكو أهل المدينة انما أنا فيهم كالشعرة ما انتقل، يريدونني أن لا أقول الحق: " والله لا أزال أقول الحق حتى أموت " فلما قلت حقا أريد به حقن دمائكم، وجمع أمركم على ما كنتم عليه أن يكون سركم مكتوما عندكم غير فاش في غيركم.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سر اسره الله إلى جبرئيل، وأسره جبرئيل إلى محمد، وأسره محمد (صلى الله عليه وآله) إلى علي، وأسره على إلى من شاء ".
ثم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ثم أنتم تحدثون به في الطريق، فأردت
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»
الفهرست