ثم إن الحسين غادر المدينة إلى مكة، ولما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فاتفقوا أن يكتبوا إلى الحسين رسائل وينفذوا رسلا طالبين منه القدوم إليهم في الكوفة لان القوم قد بايعوه ونبذوا بيعة الأمويين، وألحوا في ذلك الامر أيما الحاح، مبينين للإمام - عليه السلام - أن السبل ميسرة والظروف مهيأة لقدومه، حيث كتب له وجهاؤهم من جملة ما كتبوه:
أما بعد: فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة.
ولما جاءت رسائل أهل الكوفة تترى على الحسين - عليه السلام - أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل - رضوان الله عليه - إلى الكوفة ممثلا عنه لأخذ البيعة له منهم، وللتحقق من جدية هذا الأمر، ثم كتب إليهم: أما بعد: فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إلي: انه قد اجتمع رأي ملائكم وذوو الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرأته في كتبكم، فإني أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله (1).