غير أن للحسين - عليه السلام - وراء ذلك، خصيصه أخرى وهي كفاحه وجهاده الرسالي والسياسي الذي عرف به، والذي أصبح مدرسة سياسية دينية، لعلها أصبحت الطابع المميز له - عليه السلام - والصبغة التي اصطبغت حياته الشريفة بها، وأسوة وقدوة مدى أجيال وقرون، ولم يزل منهجه يؤثر في ضمير الأمة ووعيها، ويحرك العقول المتفتحة، والقلوب المستنيرة إلى التحرك والثورة ومواجهة طواغيت الزمان بالعنف والشدة.
وها نحن نقدم إليك نموذجا من غرر كلماته في ذلك المجال حتى تقف على كفاحه وجهاده أمام التيارات الإلحادية والانهيار الخلقي.
إباؤه للضيم ومعاندة الجور:
لما توفي أخوه الحسن في العام الخمسين من الهجرة أوصى إليه بالإمامة فاجتمعت الشيعة حوله، يرجعون إليه في حلهم وترحالهم، وكان لمعاوية عيون في المدينة يكتبون إليه ما يكون من الاحداث المهمة التي لا توافق هوى السلطة الأموية المنحرفة، والتي قد تشكل خطرا جديا على وجودها غير المشروع، ولقد كان هم هذه السلطة هو الإمام الحسين - عليه السلام - لما يعرفونه عنه من موقف لا يلين ولا يهادن في الحق، ومن هنا فقد كتب مروان بن الحكم - وكان عامل معاوية على المدينة -: إن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وأنه لا يأمن وثوبه، ولقد بحثت عن ذلك فبلغني انه لا يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن ان يكون هذا أيضا لما بعده.
ولما بلغ الكتاب إلى معاوية كتب رسالة إلى الحسين وهذا نصها: أما بعد: فقد انتهت إلي أمور عنك ان كانت حقا فإني أرغب بك عنها، ولعمر الله ان من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء، وأن حق الناس بالوفاء من كان في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله لها... (1).