المذكور قد يكون لاعتبارين والله العالم:
الأول: هو وقوع الاختلاف والتنازع واللغط في الدر عند إرادة كتابة الكتاب - العهد - إلى الحد الذي وصل إلى اتهامه صلوات الله وسلامه عليه بأنه يهجر - كما في رواية (105) أو غلبه الوجع كما في رواية أخرى - وهذا اتهام خطير يمس أصل النبوة وصدق الرسالة. ثم إن الامر قد كان بينه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مرارا وكرارا كما وضحنا. فليبق إذن الاختيار، ولتبق القضية للامتحان والابتلاء.
الثاني: إن النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه قد اتخذ احتياطا لمثل هذه الحالة الطارئة، إذ قد جهز جيش أسامة بن زيد، وأمر بانفاذه على كل حال، وقد بلغ من حرصه صلوات الله وسلامه عليه على إنفاذه مبلغا عظيما، إذ تذكر الروايات أن الرسول الأعظم مع بدء مرضه واشتداده لم يكن يشغله شئ عن محاولة انفاذ جيش أسامة (106)، وننقل من رواية ابن سعد في الطبقات ما يثبت ذلك، فقد قال - بعد أن ذكر تجهيز جيش أسامة - لما كان يوم الأربعاء بدا برسول الله المرض فحم... فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال: اغز باسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله... قال ابن سعد فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف - وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة - مع وجوه