وعلق بها السفاح صحفة خضراء وعلق بها المنصور القارورة الفرعونية وبعث المأمون ياقوتة كانت تعلق كل سنة في وجه الكعبة في زمن الموسم في سلسلة من ذهب ولما أسلم بعض الملوك في زمنه أرسل إليها بصنمه الذي كان يعبده وكان من ذهب متوجا ومكللا بالجواهر والياقوت الأحمر والأخضر والزبرجد فجعل في خزانة الكعبة ثم إن الغزالتين سرقتا وأبيعتا من قوم تجار قدموا مكة بخمر وغيرها فاشتروا بثمنها خمرا وقد ذكر أن أبا لهب مع جماعة نفدت خمرهم في بعض الأيام وأقبلت قافلة من الشام معها خمر فسرقوا غزالة واشتروا بها خمرا وطلبتها قريش وكان أشدهم طلبا لها عبد الله بن جدعان فعلموا بهم فقطعوا بعضهم وهرب بعضهم وكان فيمن هرب أبو لهب هرب إلى أخواله من خزاعة فمنعوا عنه قريشا ومن ثم كان يقال لأبي لهب سارق غزالة الكعبة وقد قيل منافع الخمر المذكورة فيها أنهم كانوا يتغالون فيها إذا جلبوها من النواحي لكثرة ما يربحون فيها لأنه كان المشتري إذا ترك المماكسة في شرائها عدوه فضيلة له ومكرمة فكانت أرباحهم تتكثر بسبب ذلك وما قيل في منافعها أنها تقوى الضعيف وتهضم الطعام وتعين على الباه وتسلى المحزون وتشجع الجبان وتصفى اللون وتنعش الحرارة الغريزية وتزيد في الهمة والإستعلاء فذلك كان قبل تحريمها ثم لما حرمت سلبت جميع هذه المنافع وصارت ضررا صرفا ينشأ عنها الصداع والرعشة في الدنيا لشاربها وفي الآخرة يسقى عصارة أهل النار وفي كلام بعضهم من لازم شربها حصل له خلل في جوهر العقل وفساد الدماغ والبخر في الفم وضعف البصر والعصب وموت الفجاءة ومميتة للقلب ومسخطة للرب ومن ثم جاء أنها أي الخمرة ليست بدواء ولكنها داء وجاء اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر أي كان مغلقا وجاء الخمر أم الفواحش وفي رواية أم الخبائث وجاء في الخمر لا طيب الله من تطيب بها ولا شفى الله من استشفى بها وقد قيل لا منافاة بين كون الغزالتين علقتا في الكعبة وسرقتا أو سرقت إحداهما
(٥٦)