السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٢٧٨
وكون الحجر وجد مصدعا بسبب الحريق وكون ابن الزبير شده كذلك بالفضة لا ينافي ما وقع بعد ذلك من أن أبا سعيد كبير القرامطة وهم طائفة ملاحدة ظهروا بالكوفة سنة سبعين ومائتين يزعمون أن لا غسل من الجنابة وحل الخمر وأنه لا صوم في السنة إلا يوم النيروز والمهرجان ويزيدون في أذانهم وأن محمد بن الحنفية رسول الله وأن الحج والعمرة إلى بيت المقدس وافتتن بهم جماعة من الجهال وأهل البراري وقويت شوكتهم حتى انقطع الحج من بغداد بسببه وسبب ولده أبي طاهر فإن ولده أبا طاهر بنى دارا بالكوفة وسماها دار الهجرة وكثر فساده وإستيلاؤه على البلاد وقتله المسلمين وتمكنت هيبته من القلوب وكثرت أتباعه وذهب إليه جيش الخليفة المقتدر بالله السادس عشر من خلفاء بني العباس غير ما مرة وهو يهزمهم ثم إن المقتدر سير ركب الحاج إلى مكة فوافاهم أبو طاهر يوم التروية فقتل الحجيج بالمسجد الحرام وفي جوف الكعبة قتلا ذريعا وألقى القتلى في بئر زمزم وضرب الحجر الأسود بدبوسه فكسره ثم اقتلعه وأخذه معه وقلع باب الكعبة ونزع كسوتها وسققها بين أصحابه وهدم قبة زمزم وارتحل عن مكة بعد أن أقام بها أحد عشر يوما ومعه الحجر الأسود وبقى عند القرامطة أكثر من عشرين سنة أي والناس يضعون أيديهم محله للتبرك ودفع لهم فيه خمسون ألف دينار فأبوا حتى أعيد في خلافة المطيع وهو الرابع والعشرون من خلفاء بني العباس فأعيد الحجر إلى موضعه وجعل له طوق فضة شدد زنته ثلاثة آلاف وسبعمائة وتسعون درهما ونصف قال بعضهم تأملت الحجر وهو مقلوع فإذا السواد في رأسه فقط وسائره أبيض وطوله قدر عظم الذراع وبعد القرامطة في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة قام رجل من الملاحدة وضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلك الضربات وتساقطت منه شظيات مثل الأظفار وخرج مكسره أسمر يضرب إلى الصفرة محببا مثل حب الخشخاش فجمع بنو شيبة ذلك الفتات وعجنوه بالمسك واللك وحشوه في تلك الشقوق وطلوه بطلاء من ذلك وجعل طول الباب أحد عشر ذراعا والباب الآخر بإزائه كذلك فلما فرغ من بنائها خلقها من داخلها وخارجها بالخلوق أي الطيب والزعفران وكساها القباطي أي وهو ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»