السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٢٠١
ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد معه فيأبى ذلك حتى قالت رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن إنا لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا ويقلن ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع مرعبا فزعا فقلن ما دهاك قال إني أخشى أن يكون بي لمم أي لمة وهي اللمس من الشيطان فقلن ما كان الله عز وجل ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت قال إني كلما دنوت من صنم منها أي من تلك الأصنام التي عند ذلك الصنم الكبير الذي هو بوانة تمثل لي رجل أبيض طويل أي وذلك من الملائكة يصيح بي وراءك يا محمد لا تمسه قالت فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلى الله عليه وسلم أقول ظاهر هذا السياق أن اللمم يكون من الشيطان وحينئذ يكون بمعنى اللمة وهي المس من الشيطان كما قدمناه فقد أطلق اللمم على اللمة وإلا فاللمم نوع من الجنون كما تقدم في قصة الرضاع قد أصابه لمم أو طائف من الجن إذ هو يدل على أن اللمم يكون من غير الشيطان كمرض وعبارة الصحاح اللمم طرف من الجنون وأصاب فلانا من الجن لمة وهي المس أي فقد غاير بينهما والله أعلم ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب كل ما ذبح لغير الله تعالى أي فكان يقول لقريش الشاة خلقها الله عز وجل وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض الكلأ ثم تذبحونها على غير اسم الله فما ذقت شيئا ذبح على النصب أي الأصنام حتى أكرمني الله تعالى برسالته أي وزيد بن عمرو كان قبل النبوة زمن الفترة على دين إبراهيم عليه السلام فإنه لم يدخل في يهودية ولا نصرانية واعتزل الأوثان والذبائح التي تذبح للأوثان ونهى عن الوأد وتقدم أنه كان يحييها إذا أراد أحد ذلك أخذ الموءودة من أبيها وتكفلها وكان إذا دخل الكعبة يقول لبيك حقا تعبدا وصدقا وقيل ورقا عاذت بما عاذ به إبراهيم ويسجد للكعبة قال صلى الله عليه وسلم إنه يبعث أمة واحدة أي يقوم مقام جماعة انتهى أي فإن ولده سعيدا قال يا رسول الله إن زيدا كان كما قد رأيت وبلغك فاستغفر له قال نعم استغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»