وعثاء السفر فينزل عن بعيره ويصلي علي، فإذا صلى علي وحملت، فاقصد المكان الذي عينته لك فاحفر شيئا يسيرا من وجه الأرض تجد قبرا معمولا (1) في قعره ماء أبيض فإذا كشفته ينضب الماء، فهو مدفني (فادفني فيه والله الله أن تخبر بهذا قبل موتي) (2).
قال هرثمة: فوالله ما طالت الأيام حتى أكل عنبا ورمانا كثيرا فمات، فدخلت على الخليفة فوجدته يبكي عليه فقلت له: يا أمير المؤمنين عاهدني الرضا على أمر أقوله لك، وقصصت عليه تلك القصة التي قالها من أولها إلى آخرها وهو يعجب مما أقوله.
فأمر بتجهيزه فلما تجهز تأنى بالصلاة عليه، وإذا بالرجل قد أقبل من الصحراء على بعير مسرعا فلم يكلم أحدا، ثم دخل إلى جنازته فوقف وصلى عليه، وخرج وصلى الناس عليه، وأمر الخليفة بطلب الرجل ففاتهم ولم يعلموا له خبرا، ثم أمر الخليفة بأن يحفر له قبر خلف قبر الرشيد فعجز الحافرون عن الحفر، فذهبت إلى موضع ضريحه الآن فبقدر ما كشف وجه الأرض ظهر قبر محفور كشفت عنه طوابيقه فإذا في قعره ماء أبيض كما قال فأعلمت الخليفة به فحضر وأبصر على الصورة التي ذكرها فنبع (3) الماء فدفن فيه.
ولم يزل الخليفة المأمون يعجب من قوله ولم تزل منه كلمة واحدة عما ذكره، وازداد تأسفه عليه وكلما خلوت في خدمته يقول: يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن؟ فأعيد عليه الحديث فيتلهف عليه (4).