والمرتضى (1).
وأما مناقبه: فما اتسعت حلبات مجالها، ولا امتدت أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلة بقاءه في الدنيا بحكمها وانجالها، فقل في الدنيا مقامه، وعجل القدوم عليه لزيارة حمامه، فلم تطل بها مدته ولا امتدت فيها أيامه، غير أن الله عز وعلا خصه بمنقبة متألقة في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها مرتفعة في معارج التفضيل، قيمة أقدارها، بادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها، وهي وإن كانت (صورتها واحدة فمعانيها كثيرة وصيغتها وإن كانت) (2) صغيرة فدلالتها كبيرة وهي:
إن هذا أبا جعفر محمدا (عليه السلام) لما توفى والده علي الرضا وقدم الخليفة المأمون إلى بغداد بعد وفاته بسنة، اتفق أنه بعد ذلك خرج يوما يتصيد، فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد واقف معهم، وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها، فلما أقبل الخليفة المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو جعفر محمد (عليه السلام) فلم يبرح مكانه، فقرب منه الخليفة فنظر إليه، وكان الله عز وجل قد ألقى عليه مسحة من قبول، فوقف الخليفة وقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟
فقال له محمد مسرعا: (يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي، ولم تكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك حسن إنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت).
فأعجبه كلامه ووجهه فقال له: ما اسمك؟
فقال: (محمد).
فقال: ابن من أنت؟