والمغرب الأقصى والسوس لاختصاص هذه البلاد بالرمال والقفار المحيطة بالأرياف والتلول والأرياف الآهلة بمن سواهم من الأمم في فصل الربيع وزخرف الأرض لرعى الكلأ والعشب في منابتها والتنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الأقوات في سنتهم من حبوبها وربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من اضرارهم بافساد السابلة ورعى الزرع مخضرا وانتهابه قائما وحصيدا الا ما حاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعى شجرها ونتاج ابلهم في رمالها وما أحاط به عملهم من مصالحها وفرارا بأنفسهم وظعائنهم من أذى البرد إلى دفاء مشاتيها فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف والصحراء ما بين الاقليم الثالث والرابع صاعدين ومنحدرين على ممر الأيام شعارهم لبس المخيط في الغالب ولبس العمائم تيجانا على رؤسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها وهم عرب المشرق وقوم يلفون منها الليت والأخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر قبلهم وكذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية وهجروا تنكب القسي وكان المعروف لأولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الامرين ثم إن العرب لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام والفصاحة في المنطق والذلاقة في اللسان ولذلك سموا بهذا الاسم فإنه مشتق من الإبانة لقولهم أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الثيب تعرب عن نفسها والبيان سمتهم بين الأمم منذ كانوا وانظر قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر أن يوفد عليه من كبرائهم وخطبائهم من رضى لذلك فاختار منهم وفدا أوفده عليه وكان من خبره واستغراب ما جاؤوا به من البيان ما هو معروف فهذه كلها شعائرهم وسماتهم وأغلبها عليهم اتخاذ الإبل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها بما كان معاشهم منها فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصمون بنسب واحد بعينه الا بالعرض ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الأكثر وفى بعضهم خفيا على الجمهور وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب الا أنهم في الغالب يكونون أقرب إلى الأولين من غيرهم وهذا الانتقال لا يكون الا في أزمنة متطاولة وأحقاب متداولة ولذلك يعرض في الأنساب ما يعرض من الجهل والخفاء (واعلم) أن جيل العرب بعد الطوفان وعصر نوح عليه السلام كان في عاد الأولى وثمود والعمالقة وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن ينتمى
(١٥)