إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح ثم لما انقرضت تلك العصور وذهب أولئك الأمم وأبادهم الله بما شاء من قدرته وصار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير وكهلان وأعقابهم من التبابعة ومن إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ثم لما تطاولت تلك العصور وتعاقبت وكان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده واختص الله بالنبوة منهم إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ وكان من شأنه مع نمروذ ما قصه القران ثم كان من هجرته إلى الحجاز ما هو مذكور وتخلف ابنه إسماعيل مع أمه هاجر بالحجر قربانا لله ومرت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها ونشأ إسماعيل بينهم وربى في أحيائهم وتعلم لغتهم العربية بعد أن كان أبوه أعجميا ثم كان بناء البيت كما قصه القران ثم بعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بالحجاز فآمن كثير منهم واتبعوه ثم عظم نسله وكثر وصار بالجيل آخر من ربيعة ومضر ومن إليهم من إياد وعك وشعوب نزار وعدنان وسائر ولد إسماعيل وهم العرب التابعة للعرب ثم انقرض أولئك الشعوب في أحقاب طويلة وانقرض ما كان لهم من الدولة في الاسلام وخالطوا العجم بما كان لهم من التغلب عليهم ففسدت لغة أعقابهم في آماد متطاولة وبقي خلفهم أحياء بادين في القفار والرمال والخلاء من الأرض تارة والعمران تارة وقبائل بالمشرق والمغرب والحجاز واليمن وبلاد الصعيد والنوبة والحبشة وبلاد الشأم والعراق والبحرين وبلاد فارس والسند وكرمان وخراسان أمم لا يأخذها الحصر والضبط قد كاثروا أمم الأرض لهذا العهد شرقا وغربا واعتزوا عليهم فهم اليوم أكثر أهل العالم وأملك لأمرهم من جميع الأمم ولما كانت لغتهم مستعجمة على اللسان المضري الذي نزل به القران وهو لسان سلفهم سميناهم لذلك العرب المستعجمة فهذه أجيال العرب منذ مبدأ الخليقة ولهذا العهد في أربع طبقات متعاقبة كان لكل طبقة منها عصور وأجيال ودول وأحياء وقعت العناية بها دون من سواهم من الأمم لكثرة أجيالهم واتساع النطاق من ملكهم فلنذكر لكل طبقة أحوال جيلها وبعض أيامهم ودولهم ومن كان على عهدهم من ملوك الأمم ودولهم ليتبين لك بذلك مراتب الأجيال في الخليقة كيف تعاقبت والله سبحانه وتعالى ولى العون [برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل خليقة منها] فنبدأ أولا بذكر الطبقة الأولى وهم العرب العارية ونذكر أنسابهم ومواطنهم وما كان لهم من الملك والدولة ثم الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة من بنى حمير بن سبا
(١٦)