تقديم أو تأخير أو حذف أو حركة أعراب وقد يدل عليها بالحروف غير المستقلة ولذلك تفاوتت طبقات الكلام في اللسان العربي بحسب تفاوت الدلالة على تلك الكيفيات كما قدمناه فكان الكلام العربي لذلك أوجز وأقل ألفاظا وعبارة من جميع الألسن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا واعتبر ذلك بما يحكى عن عيسى بن عمر وقد قال له بعض النحاة إني أجد في كلام العرب تكرارا في قولهم زيد قائم وإن زيدا قائم وإن زيدا لقائم والمعنى واحد فقال له إن معانيها مختلفة فالأول لإفادة الخالي الذهن من قيام زيد والثاني لمن سمعه فتردد فيه والثالث لمن عرف بالاصرار على إنكاره فاختلفت الدلالة باختلاف الأحوال وما زالت هذه البلاغة والبيان ديدن العرب ومذهبهم لهذا العهد ولا تلتفتن في ذلك إلى خرفشة النحاة اهل صناعة الاعراب القاصرة مداركهم عن التحقيق حيث يزعمون أن البلاغة لهذا العهد ذهبت وأن اللسان العربي فسد اعتبارا بما وقع في أواخر الكلم من فساد الاعراب الذي يتدارسون قوانينه وهي مقالة دسها التشيع في طباعهم وألقاها القصور في أفئدتهم وإلا فنحن نجد اليوم الكثير من ألفاظ العرب لم تزل في موضوعاتها الأولى والتعبير عن المقاصد والتعاون فيه بتفاوت الإبانة موجود في كلامهم لهذا العهد وأساليب اللسان وفنونه من النظم والنثر موجودة في مخاطباتهم وفهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم والشاعر المفلق على أساليب لغتهم والذوق الصحيح والطبع السليم شاهدان بذلك ولم يفقد من أحوال اللسان المدون إلا حركات الاعراب في أواخر الكلم فقط الذي لزم في لسان مضر طريقة واحدة ومهيعا معروفا وهو الاعراب وهو بعض من أحكام اللسان وإنما وقعت العناية بلسان مضر لما فسد بمخالطتهم الأعاجم حين استولوا على ممالك العراق والشام ومصر والمغرب وصارت ملكته على غير الصورة التي كانت أولا فانقلب لغة أخرى وكان القرآن منزلا به والحديث النبوي منقولا بلغته وهما أصلا الدين والملة فخشي تناسيهما وانغلاق الافهام عنهما بفقدان اللسان الذي نزلا به فاحتيج إلى تدوين أحكامه ووضع مقاييسه واستنباط قوانينه وصار علما ذا فصول وأبواب ومقدمات ومسائل سماه أهله بعلم النحو وصناعة
(٥٥٦)