على المصالح ليكون الانسان عبدا متصرفا طوع الأوامر الإلهية وكذا العصبية حيث ذمها الشارع وقال لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم فإنما مراده حيث تكون العصبية على الباطل وأحواله كما كانت في الجاهلية وأن يكون لاحد فخر بها أو حق على أحد لان ذلك مجان من أفعال العقلاء وغير نافع في الآخرة التي هي دار القرار فأما إذا كانت العصبية في الحق وإقامة أمر الله فأمر مطلوب ولو بطل لبطلت الشرائع إذ لا يتم قوامها إلا بالعصبية كما قلناه من قبل وكذا الملك لما ذمه الشارع لم يذم منه الغلب بالحق وقهر الكافة على الدين ومراعاة المصالح وإنما ذمة لما فيه من التغلب بالباطل وتصريف الآدميين طوع الأغراض والشهوات كما قلناه فلو كان الملك مخلصا في غلبه للناس أنه لله ولحملهم على عبادة الله وجهاد عدوه لم يكن ذلك مذموما وقد قال سليمان صلوات الله عليه رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي لما علم من نفسه أنه بمعزل عن الباطل في النبوءة والملك * ولما لقي معاوية عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند قدومه إلى الشام في أبهة الملك وزيه من العديد والعدة استنكر ذلك وقال أكسروية يا معاوية نقال يا أمير المؤمنين أنا في ثغر تجاه العدو وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة فسكت ولم يخطئه لما احتج عليه بمقصد من مقاصد الحق والدين فلو كان القصد رفض الملك من أصله لم يقنعه الجواب في تلك الكسروية وانتحالها بل كان يحرض على خروجه عنها بالجملة وإنما أراد عمر بالكسروية ما كان عليه أهل فارس في ملكهم من ارتكاب الباطل والظلم والبغي وسلوك سبله والغفلة عن الله وأجابه معاوية بأن القصد بذلك ليس كسروية فارس وباطلهم وإنما قصده بها وجه الله فسكت * وهكذا كان شأن الصحابة في رفض الملك وأحواله ونسيان عوائده حذرا من التباسها بالباطل فلما استحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر على الصلاة إذ هي أهم أمور الدين وارتضاه الناس للخلافة وهي حمل الكافة على أحكام الشريعة ولم يجر للملك ذكر لما أنه مظنة للباطل ونحلة يومئذ لأهل الكفر وأعداء الدين فقام بذلك أبو بكر ما شاء الله متبعا سنن صاحبه وقاتل أهل الردة حتى اجتمع العرب على الاسلام ثم عهد إلى عمر فاقتفي أثره وقاتل الأمم فغلبهم وأذن للعرب بانتزاع
(٢٠٣)