* يخالف بين رجليه فيجري * وترفعه يداه فيستطير * * له نول يسير لكل حي * وميت منه إحسان كثير * * إذا أسدى إليه الخير مسد * جزاه عليه وهو بذا قدير * * كذاك صفاتك الحسنى ولكن * بدأت تطولا وبنا قصور * * فغفرا ثم سترا ثم قصرا * فأين الثمد والبحر الغزير * ولما تولى خطابه البدرية كتبت له توقيعا نسخته رسم بالأمر العالي لا زال يكسو المنابر جمالا ويكسب أقمار الوجوه من الخطباء كمالا أن يرتب المجلس السامي جمال الدين في كذا ثقة ببلاغته التي ترف على مياهها رياحين القلوب وفصاحته التي يكاد لفظها لمن يذوق يذوب وبراعته التي إذا قال أيها الناس فقد غزا الأسماع بجيش غير مغلوب وعظاته التي إذا فاه بها بكى الناس ليوسف بأجفان يعقوب وعبارته التي نسج منها ابن المنير على خير أسلوب ومقاصده التي قطف ابن نباتة زهرة من روضها المحبوب لأنه في هذا العصر بحمد الله أفضل من عف ومن بر وأفصح خطيب لو كلف مشتاق فوق ما في وسعه لسعى إليه المنبر فليباشر ذلك مباشرة يعقد على فخرها الإجماع ويشنف بدرها الأسماع ويثق من إحسان هذه الدولة ببلوغ مناه وإزالة عناه وإزاحة ما يحجب غناه فطالما خلت وظيفة كان يظنها له ملاذا وشفر منصب التسقي من وبله رذ إذا ولاح رزق قلب وجهه في سمائه وهذه الولاية تقول * (يوسف أعرض عن هذا) * يوسف 12 / 29 إلى أن لمع له شهاب تألق وأغدق وابل جوده الذي فاض وترقرق فرقاه خطيبا وهز بلطفه المنبر غصنا رطيبا وضوع أرجاه بأرجه حتى قيل إنه ضم خطيبا وضمخ طيبا فليجر بعظاته الزاخرة سحب المدامع ويوقظ البصائر بإرشاده من كل ذي طرف هاجع ويمل عطف من يسمعه فإنه على غصن منبره بليل حلته بلبل ساجع وليستدرج القلوب الطائرة إلى لف حب التوبة ويستخرج خبايا الندم على ما فات فكم للنفوس من أوبه بعد عظيم الحوبه ويغسل درن الذنوب بذكر الممات فكم لصخر القساوة به من لين وذوبه وإذا وعظ فلا يعظ إلا نفسه التي يمحضها النصحية وإذا ذكر فليذكر في ذلك الجمع انفراده إذا نزل ضريحه فإن ذلك أوقع في نفس السامع وأجلب لسح الجفن الهامي بالدمع الهامع وليأخذ لذلك طيبه العاطر وزينته ويرقى درج منبره بوقاره الذي لا تزعزع الرياح سكينته وليبلغ السامعين بإفهام واقتصاد ويذكرهم بتقوى الله تعالى والموت والمعاد وليأت بأدب الخطيب على ما يعلمه ويحذر من تقعير اللفظ الذي لا يكاد أن يعربه فيعجمه وتقوى الله تعالى جنة واقية وجنة راقية
(٩٤)