ويحتوي على ثلاثين كراسا فاجتمع به على حصن الأكراد ثم إن السلطان صلاح الدين ولاه قضاء العسكر والحكم في القدس سنة أربع وثمانين وخمس مائة وحضر إليه مرة صحبة الشيخ صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيل والقاضي محيي الدين بن الشهرزوري وهم بمصر فاتفق وفاة بهاء الدين الدمشقي مدرس منازل العز بمصر وخطيبها فعرض ذلك عليه السلطان فلم يفعل وحضر عنده أيضا وهو على حران وكان مريضا ثم إن القاضي كان عند السلطان لما مرض بقلعة دمشق ومات رحمه الله تعالى وتوجه إلى حلب ليجمع كلمة الإخوة أولاد صلاح الدين وتحليف بعضهم لبعض ثم جهزه الظاهر غازي من حلب إلى مصر لتحليف أخيه العزيز عثمان وعرض عليه الحكم بحلب فلم يوافق ثم إنه لما عاد من مصر اتفق موت الحاكم بحلب فعرض عليه الحكم فأجاب وولاه أوقافها وقيل بل عزل قاضي حلب زين الدين أبا البيان بن البانياسي نائب محيي الدين بن الزكي ثم إن القاضي بهاء الدين كان عند الظاهر في رتبة الوزير والمشير وكانت حلب إذ ذاك قليلة المدارس والفقهاء فعني بها القاضي بهاء الدين وجمع الفقهاء وعمرت المدارس وكان الظاهر قد قرر له إقطاعا جيدا يحصل منه جملة كبيرة وكان القاضي قليل الخرج لم يولد له ولا له أقارب فتوفر له شيء كثير فعمر مدرسة بالقرب من باب العراق قبالة مدرسة نور الدين محمود بن زنكي للشافعي سنة إحدى وست مائة وعمر في جوارها دار حديث وجعل بين المكانين تربة برسم دفنه فيها ولها بابان أحدهما إلى المدرسة والآخر إلى دار الحديث وشباكان إليهما متقابلان وكان يدرس بنفسه ولما طعن في السن وضعف رتب أربعة فقهاء فضلاء برسم الإعادة والجماعة يشتغلون عليه وكان القاضي بيده حل الأمور وعقدها لم يكن لأحد معه كلام في الدولة ولما ولي الملك الملك العزيزي محمد بن الظاهر غازي كان تحت حجر الطواشي أبي سعيد طغرل شهاب الدين وهو أتابكه ومتولي تدبيره بإشارة القاضي بهاء الدين وكان للفقهاء في أيامه حرمة كبيرة ورعاية تامة خصوصا فقهاء مدرسته كانوا يحضرون مجالس السلطان ويفطرون في شهر رمضان على سماطه وكان القاضي قد بقي كأنه الفرخ وكانت تعتريه نزلات كثيرة في دماغه فلا يزال عليه الفرجية البرطاسي والثياب الكثيرة وتحته الطراحة الوثيرة فوق البسط ذوات الخمائل الثخينة قال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان كنا نجد عنده الحر والكرب وهو لا يشعر به لكثرة استيلاء البرودة عليه من الضعف وكان لا يخرج لصلاة الجمعة إلا في شدة القيظ وكان إذا قام للصلاة بعد الجهد كاد يسقط وكان كثيرا ما ينشد (من البسيط)
(٨٧)