الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ٢٩ - الصفحة ٣٧
حكمنا في شيء حتى نعود لأمره ونعوذ ولا خرجنا في السياسة عن حكمه لا على سبيل السهو ولا بحكم الشذوذ ولا برز أمره بحكم إلا وقال سيفنا المنصور دائم النفوذ وكانت دمشق المحروسة كالشامة في وجنة الشام وكالجوهرة التي أصبحت واسطة عقد الملك في الانتظام هذا إلى ما جاء في فضلها من السنة وثبت لنا في الخارج أنها أنموذج الجنة قد شغر منصب حكمها الشافعي من قاض يسوس الرعايا ويجتهد في أحكامه حتى تدله الألمعية على المقاتل الخفايا ويتوسم وجوه الخصوم وكلامهم فيكون ابن جلا وطلاع الثنايا أمهلنا آراءنا الشريفة هذه الفترة واستخرنا الله تعالى فيمن نحليه بهذا الطوق أو نخصه بهذه الدرة وذكر بين أيدينا الشريفة جماعة كل منهم جل إلا أن يكون قد حلى واستوعب الشروط المعتبرة فكان بذلك الاستيعاب مجلى فيشار من إشارته كالسهم الذي يصيب الإشارة وبركة رأيه خالصة من حظوظ النفس الأمارة وعين من عزت به الشريعة الشريفة منالا وزان رتبتها الجليلة فازدادت به جمالا وحمى حوزتها لأنه فارس الكلام إذا التفت عليه مضائق الخصوم فرجها علمه بمواقع الإصابة جدالا وجالد فوارس البحث وجدلهم فخذلهم ونسف مغالط النسفي ولو كانت جبالا ونقى ونقح كلام من مضى فكم قيد مطلقا يمرح وأطلق مقيدا يرسف وجلس في حلقة دروسه فكأنما تطلع من محراب داود يوسف يغرق المزني في وابل فضله الصيب ويفوق عرف عرفانه على القاضي أبي الطيب ويتلون ابن الصباغ في شامله من عجزه ويتعرف الغزالي بأنه لم يكن من نسج طرزه قد صاغ ذهب أصوله وابن الحداد في الفروع والتذ بكراه وصاحب التنبيه لا يطعم لذة الهجوع ونفق من محصوله وابن الحاجب في صيغة منتهى الجموع وكان المجلس العالي القضائي الجمالي وبقية ألقابه ونعوته هو مظهر هذه الضمائر والمقصود بهذه الأدلة والأمائر لا تليق هذه الصفات إلا بذاته ولا تحسن هذه النعوت إلا بأدواته فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاين الملكي الناصري لا زالت الرعايا بعد له في أمان ومواقع اختياره ترتاد لهم الكافي الكافل من رب السيف والطيلسان أن يفوض إليه قضاء القضاة الشافعية بالشام المحروس ولاية أحكم عقدها وانتظم عقدها وتبلج عرفها وتأرج عرفها فليأمر بالمعروف وينه عن المنكر ويسير سيرة عمرية تتلى محاسنها وتشكر وليأخذ بحق المظلوم ممن ظلمه ويجر لسان قلمه بما قامت به البينة فعلمه وليتبع الحق إن كان مع المشروف أو الشريف ويطلب رضا الله في خذلان القوي ونصرة الضعيف وليسو بين المتخاصمين في موقفهما عنده ويسمع الدعوى إذا تمت والجواب إذا أكمل قصده وليلن جانبا لمن حضره ويتمسك بآداب الشرع الذي حضه عليها وأمره وليحترز في أمر الشهود في كل شيء وينقب عن أحوالهم فإن منهم من يموت
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»