هو والبحتري في بغداد توفي في حدود التسعين ومائتين كان شديد التطير أسبخ منهوما في الأكل جعليا فكان يغلق أبوابه ولا يخرج إلى أحد خوفا من التطير فأراد بعض أصحابه أن يحضر إليهم في يوم أنس فسيروا إليه غلاما نظيف الثوب طيب الرائحة حسن الوجه فتوجه إليه فلما طرق الباب عليه وخرج له أعجبه حاله ثم سأله عن اسمه فقال له إقبال فقال إقبال مقلوبه لا بقاء ودخل وأغلق الباب وجهز إليه يوما غلام آخر وأزاحوا جميع ما يخشاه فإذا خرج ومر معه كان) على بابه دكان خياط وقد صلب درابتي الباب وهو يأكل تمرا فقال هاتان الدرابتان مثل لا وتمر هذا معناه لا تمر فرجع وأغلق الباب ولم يتوجه إليهم وقد تقدم في ذكر الأخفش على ما يتعلق بابن الرومي معه في الطيرة وعبثه به وكان سبب موته أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب يخاف هجوه وفلتات لسانه بالفحش فدس عليه ابن فراش فأطعمه خشكنانجة مسمومة وهو في مجلسه فلما أكلها أحس بالسم فقام فقال له الوزير أين تذهب فقال إلى الموضع الذي بعثتني إليه فقال له سلم على والدي فقال ما طريقي على النار وخرج من عنده وأتى منزله وأقام به أياما ومات وكان وسخ الثوب قال أبو عثمان الناجم دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه فلما قمت من عنده قال لي من الوافر * أبا عثمان أنت حميد قومك * وجودك للعشيرة دون لومك * * تزود من أخيك فما أراه * يراك ولا تراه بعد يومك * وقيل أن الطبيب كان يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط عليه في عقار فقال إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت له ما حالك فأنشد من الكامل * غلط الطبيب علي غلطة مورد * عجزت موارده عن الإصدار * * والناس يلحون الطبيب وإنما * غلط الطبيب إصابة المقدار * وابن الرومي من الشعراء الفحول المطولين الغواصين على المعاني كان إذا أخذ المعنى لا يزال يستقصى فيه حتى لا يدع فيه فضله ولا بقية فربما سمج بعض الأوقات ومعانيه
(١١٤)