الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ١٤ - الصفحة ١٥٧
وحملني الشغف بطريقة هذا الرجل على حفظ ما يرد من شعره على أفواه الواردين من المشرق إلى أن جمع الله بيني وبينه بالقاهرة حاضرة الديار المصرية * فقل في منهل عذب * تمكن منه عطشان * ثم كانت المؤانسة فكدت أصعق لما أنشدني قوله وما وجدت روحي معي البتة من الطويل * رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي * وحسبك قد أحرقت يا وجد أضلعي) * (إلى كم أقاسي لوعة بعد لوعة * وحتى متى يا بين أنت معي معي * * وقالوا علمنا ما جرى منك بعدنا * فلا تظلموني ما جرى غير أدمعي * * رعى الله ذاك الوجه حيث توجهوا * وحيته عني الشمس في كل مطلع * * ويا رب جدد كلما هبت الصبا * سلامي على ذاك الحبيب المودع * * قفوا بعدنا تلفوا مكان حديثنا * له أرج كالمندل المتضرع * وقلت له وقد أعجبه انفعالي لما صدر عنه من هذه المحاسن الغرامية يا سيدي لا يمضي اعتقادي فيكم مذ مدة طويلة وأنا بالمغرب الأقصى ضائعا والغرض كله التهذيب الموصل إلى ما يتعلق بأهداب طريقتكم فقد علمتم أن مهيارا من عجم الديلم لما شرب ماء دجلة والفرات وصحب سيدة الشريف الرضي نمت أسراره من خلال أشعاره فتبسم وقال ما تنزلت أنت أول إلى أول طبقة مهيار ولا ترفعت أنا إلى طبقة الشريف لكن كل ما زمان له رؤساء وأتباع في كل فن وإن تكونوا صغار قوم فستكونوا كبار قوم آخرين واعلم أنك نشأت ببلاد ولع شعراؤها بالغوص على المعاني وزهدوا في عذوبة الألفاظ والتلاعب بمحاسن صياغتها المكسوة بأسرار الغرام فطريقة المغاربة مثل قول ابن خفاجة من الكامل * وعشي أنس أضجعتنا نشوة * فيها مضجعي وتدمث * * خلعت علي بها الأراكة ظلها * والغصن يصغي والحمام يحدث * * والشمس تجنح للغروب مريضة * والرعد يرقى والغمامة تنفث * وقول الرصافي من البسيط * غزيل لم تزل في الغزل جائلة * بنانه جولان الفكر في الغزل * * جذلان تلعب بالمحواك أنمله * على السدى لعب الأيام بالدول * * ما إن يني تعب الأطراف مشتغلا * أفديه الظبي في أشراك محتبل *
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»