الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ١٢ - الصفحة ٢٤٨
قاصد فعرض الجزء على الشيخ عند اصفرار الشمس في يوم صائف فترك الجزء بين يديه ونظر فيه والناس يتحدثون ثم خرج أبو القاسم فأمرني بإحضار البياض وقطع أجزاء منها فشددت خمسة أجزاء كل واحد عشرة أوراق بالربع الفرعوني وصلينا العشاء وقدم الشمع وأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأمرنا بمناولة الشراب وابتدأ هو بجواب تلك المسائل وكان يكتب ويشرب إلى نصف الليل حتى غلبني وأخاه النوم فأمرنا بالانصراف وعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى وبين يديه الأجزاء الخمسة فقال خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له استعجلت في الإجابة عنها لئلا بتعوق الركابي فصار هذا الحديث تاريخا بينهم ووضع في حال الرصد آلات ما سبق إليها وصنف فيها رسالة وبقيت أنا ثماني سنين في خدمة الرصد وكان غرضي تبين ما يحكيه بطليموس عن نصبه في الأرصاد وصنف الشيخ كتاب الإنصاف وكان أبو علي قوي المزاج يغلب عليه حب النكاح حتى أنهكه ملازمة ذلك وأضعفه ولم يكن يداري مزاجه وعرض له قولنج فحقن نفسه في يوم واحد ثماني مرات فقرح بعض أمعائه وظهر به سحج واتفق سفره مع علاء الدولة فحدث له الصرع الحادث عقيب القولنج فأمر باتخاذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به وخلطه بها طلبا لكسر الرياح فقصد بعض الأطباء الذي كان يتقدم هو إليه بمعالجته وطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم لست أدري فعله عمدا أو خطأ لأنني لم أكن معه فازداد السحج به من حدة ذلك البزر وكان يتناول المثرود يطوس لأجل الصرع فقام بعض غلمانه وطرح فيه شيئا كثيرا من الأفيون وناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم له في مال كثير من خزانته فتمنوا إهلاكه ليأمنوا) عاقبة أعمالهم ونقل الشيخ إلى أصبهان فاشتغل بتدبير نفسه وكان من الضعف بحيث لا يقدر على القيام ولم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي وحضر مجلس علاء الدولة ولكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المجامعة ولم يبرأ كل البرء وكان ينتكس كل وقت ويبرأ ثم قصد علاء الدولة همذان فسار معه الشيخ فعاودته تلك العلة في الطريق إلى أن وصل همذان وعلم أن قوته قد سقطت وأنها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وقال المدبر الذي كان يدبر بدني قد عجز عن التدبير فلا تنفع المعالجة ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم انتقل إلى جوار ربه عز وجل يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وعمره ثمانية وخمسون سنة وكان مولده في صفر سنة سبعين وثلاثمائة انتهى
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»