في نعمة كبيرة فقلت له أبا نواس قال نعم قلت ما فعل الله بك قال غفر لي وأعطاني هذه النعمة قلت ومم ذاك وأنت كنت مخلطا فقال إليك عني جاء بعض الصالحين إلى المقابر في ليلة من الليالي فبسط رداءه وصف قدميه وصلى ركعتين لأهل المقابر قرأ فيهما ألفي مرة قل هو الله أحد وجعل ثوابها لأهل المقابر فغفر الله لأهل المقابر عن آخرهم فدخلت أنا في جملتهم قال أبو عبيدة أبو نواس للمحدثين كامرئ القيس للأولين هو الذي فتح لهم هذه الطرق في الفطن ودلهم على هذه المعاني وقال أبو هفان إنما أفسد شعر أبي نواس المنحولات لأنها خلطت بشعره ونسبت إليه فأما ما يعرف من خالص شعره رواية فإنه أحكم شعر وأتقنه في معانيه وفنونه وقال النظام كأنما كشف لأبي نواس عن معاني الشعر فقال أجوده واختار أحسنه قلت أما قصائده فطنانة رنانة وأما بعض المقاطيع التي تقع له وغالبها في المجون فهي منحطة عن طبقته وأراه كان بكر الزمان في المجون وخفة الروح وقد انفتح للناس باب لم يعهدوه فكانوا إذا اجتمعوا في مجلس شراب وقد أخذت منه الخمر اقترحوا عليه شيئا أو قال هو شيئا مشى به الحال في ذلك الوقت فيخرج غير منقح ولا منقى لم تنضجه الروية) ولا هذبه التفكر لقلة مبالاته به فيدون عنه ويحفظ ويروى فهذا هو السبب الذي أراه في انحلال بعض شعره وقيل إنه كان ليلة نائما إلى جانب والبة بن الحباب فانتبه فرآه وقد انكشف استه وهي بيضاء حمراء فما تمالك أن قبلها فلما دنا منها أجابه بضرطة هائلة فقال ويلك ما هذا فقال لئلا يذهب المثل ضياعا في قولهم ما جزاء من يقبل الأستاه إلا الضراط وكان خفيف الروح نادم الأمين وكان المأمون يعيره بذلك ويقول في خراسان من يكون أبو نواس نديمه لا يصلح للخلافة ولو عاش أبو نواس إلى أن يدخل المأمون بغداد لناله منه سوء وله أخبار وحكايات ومجاراة مع شعراء عصره وتوفي سنة ست أو سنة سبع أو سنة تسع وتسعين ومائة ومن شعره من البسيط * دع عنك لومي فإن اللوم إغراء * وداوني بالتي كانت هي الداء * * صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها * لو مسها حجر مسته سراء * * من كف ذات حر في زي ذي ذكر * لها محبان لوظي وزناء * * قامت بإبريقها والليل معتكر * فظل من وجهها في البيت لألاء * * فأرسلت من فم الإبريق صافية * كأنما أخذها بالعقل إغفاء *
(١٧٨)