الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ١١ - الصفحة ١٤٢
تغسل ثيابا فلما رأتني أنكرتني فضربت يدها إلى ثوب في الماء فالتحفت به وعرفتني الجارية فأعادت الثوب إلى الماء وتحدثنا ساعة حتى غابت الشمس فسألتها الموعد فقال أهلي سائرون وما لقيتها بعد ذلك ولا وجدت أحدا آمنه فأرسله إليها فقال له كثير فهل لك أن آتي الحي فأتعرض بأبيات من الشعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدر على الخلوة بها قال وذلك الصواب فخرج كثير حتى أناخ بهم فقال له أبوها ردك يا بن أخي قال قلت أبياتا فأحببت أن أعرضها عليك قال هاتها فأنشده وبثينة تسمع من الطويل * فقلت لها عز أرسل صاحبي * إليك رسولا والرسول موكل * * بأن تجعلي بيني وبينك موعدا * وأن تأمريني بالذي فيه أفعل * * وآخر عهدي منك يوم لقيتني * بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل * فضربت بثينة جانب خدرها وقالت إخسأ إخسأ فقال لها أبوها مهيم يا بثينة قالت كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء الرابية ثم قالت للجارية ابغينا من الدومات حطبا لنذبح لكثير شاة ونشويها له فقال كثير أنا أعجل من ذلك وراح إلى جميل فأخبره الخبر فقال جميل الموعد الدومات وخرجت بثينة وصواحبها إلى الدومات وجاء جميل وكثير إليها فما برحوا حتى برق الصبح فكان كثير يقول ما رأيت مجلسا قط أحسن من ذلك المجلس ولا مثل علم) أحدهما بضمير صاحبه ما أدري أيهما كان أفهم وقدم جميل بن معمر مصر على عبد العزيز بن مروان ممتدحا فأذن له وسمع مديحه وأسن جائزته وسأله عن حب بثينة فذكر وجدا كثيرا فوعده في أمرها وأمره بالمقام وأمر له بمنزل وما يصلحه فما أقام إلا قليلا حتى مات هناك سنة اثنتين وثمانين للهجرة وقال عباس بن سهل الساعدي بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال لي هل لك في جميل فإنه ثقيل نعوده فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه فنظر إلي ثم قال يا بن سهل ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن قط ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن لا إله إلا الله قلت أظنه قد نجا وأرجو له الجنة فمن هذا الرجل قال أنا قلت والله ما أحسبك سلمت وأنت تشبب عشرين سنة ببثينة فقال لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وإني لفي يوم من آخر أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة فما برحنا حتى مات وقال الأصمعي حدثني رجل شهد جميلا لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعا به فقال له هل لك أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئا أعهده إليك قال فقلت اللهم نعم قال إذا أنا مت فخذ حلتي هذه واعزلها جانبا وكل شيء سواها هو لك وارحل إلى رهط بثينة فإذا صرت
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»