ووفى له بوعده وطلب إلى مصر ولم يزل بها في وجاهة وحرمة إلى أن توفي رحمه الله وجهزه السلطان رسولا إلى مهنا مع الأمير علاء الدين الطنبغا الحاجب فقال الشيخ إنه حصل لي تلك السفرة ثلاثون ألف درهم ومن شعره قصيدة بائية أولها * ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا * في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب * * لا تأسفن على مال تمزقه * أيدي سقاة الطلا والخرد العرب * * فما كسوا راحتي من راحها حللا * إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا * * راح بها راحتي في راحتي حصلت * فتم عجبي بها وازداد لي العجب * * أن ينبع الدر من حلو مذاقته * والتبر منسبك في الكأس منسكب * * وليست الكيميا في غيرها وجدت * وكل ما قيل في أبوابها كذب) * (قيراط خمر على القنطار من حزن * يعيد ذلك أفراحا وينقلب * * عناصر أربع في الكأس قد جمعت * وفوقها الفلك السيار والشهب * * ماء ونار هواء أرضها قدح * وطوفها فلك والأنجم الحبب * * ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل * بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب * * شججت بالماء منها الرأس موضحة * فحين أعقلها بالخمس لا عجب * قلت لو لم يقل الشيخ صدر الدين من الشعر إلا هذا البيت لكان قد أتى بشيء غريب نهاية في البديع لقد غاص فيه على المعنى ودق تخيله فيه * وما تركت بها الخمس التي وجبت * وإن رأوا تركها من بعض ما يجب * * وإن أقطب وجهي حين تبسم لي * فعند بسط الموالي يحفظ الأدب * هذا البيت أيضا بديع المعنى دقيقه وقد اعتذر عن تقطيبه بأحسن عذر وأوضحه عما أشار إليه الشعراء في ذلك وقبحوا فعله مثل قول ابن أبي الحداد * بالراح رح فهي المنى * وعلى جماع الكأس كس * لا تلقها إلا ببشرك فالقطوب من الدنس * ما أنصف الصهباء من * ضحكت إليه وقد عبس * * وإذا سكرت فغن لي * ذهب الرقاد فما يحس * وما أحسن قول ابن رشيق القيرواني * أحب أخي وإن أعرضت عنه * وقل على مسامعه كلامي * * ولي في وجهه تقطيب راض * كما قطبت في وجه المدام * وتتمة أبيات صدر الدين
(١٨٨)