تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٥١ - الصفحة ٤١٦
ما وريح. وكان يركب البغلة وتحف به أصحابنا، ويخرج بهم إلى الأماكن النزهة، ويباسطهم ويحضر المغاني، وله في النفوس صورة عظيمة لهيبته وعلمه ونفعه العام، وتواضعه وخيره ولطفه وجوده.
قرأت بخط الشيخ قطب الدين قال: انتفع به جم غفير، ومعظم فقهاء دمشق وما حولها وقضاة الأطراف تلامذته. وكان رحمه الله، عنده من الكرم المفرط وحسن العشرة وكثرة الصبر والاحتمال. وعدم الرغبة في التكثر من الدنيا، والقناعة والإيثار، والمبالغة في اللطف ولين الكلمة والأدب ما لا مزيد عليه، مع الدين المتين، وملازمة قيام الليل، والورع، وشرف النفس، وحسن الخلق والتواضع، والعقيدة الحسنة في الفقراء والصلحاء وزيارتهم. وله تصانيف مفيدة تدل على محله من العلم وتبحره فيه. وكانت له يد في النظم والنثر.
قلت: تفقه في صغره على الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، والشيخ تقي الدين ابن الصلاح. وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للاشتغال وله بضع وعشرون سنة. ودرس في سنة ثمان وأربعين. وكتب في الفتاوى وقد كمل ثلاثين سنة.
ولما قدم النووي من بلده أحضروه ليشتغل عليه، فحمل همه وبعث به إلى مدرسة الرواحية، ليصبح له بها بيت، ويرتفق بمعلومها. ولم يزل يشغل من ذلك الوقت إلى أن مات.
وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار. وكان إذا سافر إلى بيت المقدس يتنافس أهل البر في الترامي عليه، وإقامة الضيافات له. وكان أكبر من النواوي، ورحمهما الله، بسبع سنين. وكان أفقه نفسا، وأذكى قريحة، وأقوى مناظرة من الشيخ محيي الدين بكثير، لكن كان محيي الدين أنقل للمذهب، وأكثر محفوظا منه. وهؤلاء الأئمة اليوم هم خواص تلامذته ابنه، وقاضي
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»