القلاع. فبقي الخوارزميون يعيثون، ويفسدون أي شيء وجدوه، واعتصمت الملكة بقلاع في مضايق. ثم إن ابن السديد التفليسي قصد الإصلاح ظنا منه أنهم يشبهون الناس، وأن لهم قولا وعهدا، فخرج يطلب الأمان لأهل المدينة أجمعين المسلمين والكرج واليهود، فأخذ خط جلال الدين وأخيه غياث الدين وحميته وختومهم، ولوحا من فضة مكتوبا بالذهب يسمى بايزة، وتوثق. فساعة دخلوا، نهبوا مماليك ابن السديد ونعمته وندم، وعملوا بجميع الناس كذلك، وسموا المسلمين مرتدين، واستحلوا أموالهم وحريمهم، وصاروا لا يتركون زوجة حسناء، ولا ولدا حسنا، ويهجم الواحد منهم على قوم، فيستدعي بطعام وشراب، ويؤآخي زوجة صاحب الدار، ويطلبها للفراش ويقول: هكذا أخوتنا، ثم يصبح، فإن وجد لهم ولدا يعجبه، أخذه معه، وإن كان عند أحد سلعة فأراد بيعها، فنادى عليها بخمسين دينارا، أخذها بخمسة دنانير، فإن تكلم صاحبها ضربه بمقرعة معه، رأسها مطرقة، فربما مات، وربما غشي عليه.
قال: وعددهم لا يبلغ مائة ألف، ربما كان ستين ألفا، كلهم جياع، مجمعة ليس لهم مدد، وكلهم عليهم أقبية القطن، وسلاحهم النشاب القليل الصنعة يرمون على قسي ضعاف لا تؤثر في الدروع. وليس لهم ديوان ولا عطاء، إنما لهم نهب ما وجدوه، ولا يمكنه أن يكفهم عن شيء.
قال لي: وجميع من جرب التتر يشهد أن سيرتهم خير من سيرة الخوارزميين.
ثم قال الموفق: ولما توجه جلال الدين إلى غزنة والهند فارا من جنكزخان واستنجد بملكها، فأرسل معه جيشا، فأقاموا في قتال التتر أياما كثيرة، ثم انهزم وحيدا فقيدا، وتوجه نحو كرمان، وكان هناك ملكان كبيران، فأحسنا إليه، فلما قوي شيئا، غدر بهما، وقتل أحدهما، وفر فأتى شيراز على بقر وحمير، وأكثر من معه رجاله، فدفع به صاحبها نحو بغداد، فأفسد في شهرابان وتلك النواحي. وكان أخوه غياث الدين قد انفرد في ثلاثين رجلا هاربا، ومعه) صوفي يصلي به، فلما نام توامر الجماعة على قتله، والتقرب برأسه إلى التتر، فأحس بذلك الصوفي، فتركهم حتى ناموا وأيقظه وأعلمه، فعاجلهم فذبحهم، وترك منهم قوما يشهدون بما عزموا عليه. ثم دخل إصبهان