جميل الصورة، حديث السن، فاجتمع إليه الأرذال والمفسدون، وحسنوا له طرقهم فغار الأخيار، وملكوا عليهم بلبان مملوك شاه أرمن، وقتل ولد بكتمر أو حبسه. وكانت أخته بنت بكتمر مزوجة بالملك المغيث طغريل بن قلج أرسلان صاحب أرزن الروم، وبين بلبان والمغيث معاقدة ومعاضدة، ولابن بكتمر جماعة يهوونه، فكاتبوا الملك الأوحد ابن العادل صاحب ميافارقين، فقصد خلاط، فسار المغيث لينصر بلبان، فانكف الأوحد، وطمع المغيث في خلاط، فاغتال بلبان، قتله ابن حق باز. وتسلم المغيث خلاط، فحصل لأهلها غبن إذ غدر بملكهم فمنعوه. ثم إنه قبض يده عن الإحسان المنسي الضغائن، وقال له بعض الأمراء: ابذل قد ألف دينار، وأنا الضامن بحصول البلد. قال: أخاف أن لا يحصل ويضيع مالي. فعلموا أنه صغير الهمة فتفرقوا عنه، وكاتبوا الواحد فجاء وملكها، ثم اختلفوا عليه ونكثوا، فبذل فيهم السيف، وانهزم طائفة.
قال الموفق: فقال لي بعض خواصه: إنه قتل في مدة يسيرة ثمانية عشر ألف نفس من الخواص. وكان يقتلهم ليلا بين يديه، ويلقون في الأبار. وما لبث إلا قليلا واختل عقله ومات، وتوهم أبوه أنه جن، فسير إليه ابن زيد المعزم وصدقة الطبيب من دمشق.
وتملك خلاط بعده أخوه الأشرف. ومات الظاهر قبله بسنتين، فلم يتهن بالملك بعده. وكان كل واحد منهما ينتظر موت الآخر، فلم يصف له العيش لأمراض لزمته بعد طول الصحة، والخوف من الفرنج بعد طول الأمن. وخرجوا إلى عكا وتجمعوا على الغور، فنزل العادل قبالتهم على بيسان، وخفي عليه أن ينزل على غقبة فيق، وكانوا قد هدموا قلعة كوكب وكانت ظهرهم. ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عليه الفرنج من الغارة، فاغتر بما عودته المقادير من طول السلامة، فغشيت الفرنج عسكره على غرة. وكان قد أوى إليهم خلق من أهل البلاد يعتصمون به. فركب مجدا ورماح الفرنج في أثره حتى وصل دمشق إلى شفا، وهم بدخولها، فمنعه المعتمد وشجعه وقال: المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق. وأما الفرنج فاعتقدوا أن هزيمته مكيدة، فرجعوا من قريب دمشق بعدما عاثوا في البلاد قتلا وأسرا، وعادوا إلى بلادهم) وقصدوا دمياط في البحر فنازلوها.