تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤١ - الصفحة ٣١٠
ونفقت سوقه عند الخاصة والعامة. وكان مقبول الصورة، مستعذب الألفاظ مليح المعاني الغوص على المعاني.
حدثني قال: صار لي سوق بمازندران حتى خافني صاحبها، فأنفذ يأمرني بالخروج عن بلاده، فصرت إلى بغداد في أيام المقتفي، ووعظت، فعظمت منزلتي واستدعيت، وخلع علي، وناظرت، واستظهرت على خصومي، فلقبت برشيد الدين، وكنت ألقب بعز الدين. ثم خرجت إلى الموصل، ثم أتيت حلب.
قال: وكان نزوله على والدي فأكرمه، وزوجه ببنت أخته، فربيت في حجره، وغذاني من علمه، وبصرني في ديني.
وكان إمام عصره، وواحد دهره. وكان الغالب عليه علم القران والحديث، كشف وشرح، وميز الرجال، وحقق طريق طالبي الاستناد، وأبان مراسيل الأحاديث من الآحاد، وأوضح المفترق من المتفق، والمؤتلف من المختلف، والسابق من اللاحق، والفصل من الوصل، وفرق بين رجال الخاصة ورجال العامة.
قلت: يعني بالخاصة الشيعة، وبالعامة السنة. حدثني أبي قال: ما زال أصحابنا بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الشيعي من ابن بطة الحنبلي بالفتح، والشيعي بضمها. وكان عند أصحابنا بمنزلة الخطيب للعامة، وكيحيى بن معين في معرفة الرجال. وقد عارض كل علم من علوم العامة بمثله، وبرز عليهم بأشياء حسنة لم يصلوا إليها. وكان بهي المنظر، حسن الوجه والشيبة، صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الفنون، كثير الخشوع والعبادة والتجهد، لا يجلس إلا على وضوء.
توفي ليلة سادس عشر شعبان سنة ثمان وثمانين، ودفن بجبل جوشن عند مشهد الحسين.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»