تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٠ - الصفحة ٧٩
فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدنا مثله. فقال: لا تقل هذا، قال الله تعالى: فلا تزكوا أنفسكم.
قلت: وقد قال تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث. فقال: نعم، لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.
قال أبو المواهب: وأنا أقول لم أر مثله، ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذرن والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور. وقد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.
قال لي: لما عزمت على التحديث، والله المطلع أنه ما حملني على ذلك حب الرياسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كل ما سمعت وأي فائدة في كوني أخلفه بعدي صحائف فاستخرت الله تعالى واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطفت عليهم، فكل قال: ومن أحق بهذا منك.
فشرعت في ذلك في سنة ثلاث وثلاثين.
وقال عمر بن الحاجب: حكى لي زين الأمناء أن الحافظ لما عزم على الرحلة اشترى جملا، وتركه بالخان، فلما رحل القفل تجهز. وخرج فوجد الجمل قد مات. فقال له الجماعة الذين خرجوا لوداعه: ارجع فما هذا فال مبارك، وفندوا عزمه، فقال: والله لو مشيت راجلا لا أثنيت عزمي. وحمل خرجه وقماشه، وتبع المركب، واكترى منهم في القصير. وكانت طريقه مباركة.
وقال أبو محمد القاسم: قال لي والدي لما قدمت في سفري: قال لي
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»